قانون الشركات العماني: البطلان والمخاطر في المادتين (4) و (5).
حصن الأمان القانوني: الإدارة الفعالة للمخاطر التعاقدية والمالية في ضوء المادتين (4) و (5) من قانون الشركات التجارية العماني بقلم: المحامي يوسف الخضوري تُمثل الشركات التجارية قاطرة النمو الاقتصادي في سلطنة عُمان، إلا أن هذا النمو محفوف بالمخاطر القانونية والمالية إذا لم يُبنَ على أساس سليم. يضع المرسوم السلطاني رقم 18/2019 بإصدار قانون الشركات التجارية إطاراً صارماً للعمل التجاري، وتُعد المادتان (4) و (5) من هذا القانون حجر الزاوية الذي يُحدد الشكل القانوني للشركة ويُرسي مبدأ البطلان المطلق كأقسى عقوبة على مخالفة هذا الإطار. إن الإدارة القانونية السليمة للمخاطر (Legal Risk Management) ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي استثمار يحمي ذمم الشركاء والمساهمين. يهدف هذا المقال إلى تحليل الأبعاد القانونية والتطبيقية للمادتين (4) و (5)، وربطهما بمفهوم إدارة المخاطر وعقود الشركات، مع التركيز على الكيفية التي يجب بها على المستشار القانوني تحصين الكيان التجاري. المحور الأول: الشكل القانوني – الأساس اللازم لتجنب البطلان (المادة 4) تنص المادة (4) على حصرية الأشكال القانونية للشركات، وهي إشارة واضحة من المشرع العماني إلى أن الشكل هو ركن وجود وليس مجرد تفصيل إجرائي. 1. حصرية الأشكال وضرورة التصنيف: حددت المادة (4) سبعة أشكال للشركات التجارية (التضامن، التوصية، المحاصة، المساهمة، القابضة، محدودة المسؤولية، والشخص الواحد). يُعد هذا التصنيف هو البوصلة التي يجب أن يتبعها المؤسس. الشكل القانوني المخاطر الرئيسية التي يجب إدارتها التضامن والتوصية مسؤولية الشريك الشخصية والمباشرة عن ديون الشركة (الأخطر). المساهمة ومحدودة المسؤولية مخاطر حوكمة الشركات (Corporate Governance) وفصل الذمة المالية. شركة الشخص الواحد مخاطر خلط الذمة المالية بين الشريك والشركة عند عدم وجود نظام محاسبي دقيق. 2. أهمية اختيار الشكل المناسب (Risk Mitigation): يجب أن يكون اختيار شكل الشركة ناتجاً عن تحليل للمخاطر: حجم المخاطرة المالية: إذا كانت الشركة تعمل في قطاع عالي المخاطر (مثل الإنشاءات أو التمويل)، يجب اختيار شكل يحد من المسؤولية مثل الشركة محدودة المسؤولية (LLC) أو المساهمة لحماية الأموال الخاصة للشركاء. الشفافية والحوكمة: إذا كان الهدف طرح أسهم للاكتتاب أو جذب رؤوس أموال كبيرة، يصبح شكل شركة المساهمة العامة ضرورياً، رغم تعقيد إجراءات الحوكمة والمخاطر التنظيمية المرتفعة. المحور الثاني: البطلان المطلق والمسؤولية الشخصية (المادة 5) تُشكل المادة (5) السيف القاطع الذي يواجه الشركات غير المُشَكَّلة وفقاً للمادة (4). إنها قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. 1. عقوبة البطلان المطلق (Voidance): تنص المادة (5) على أن كل شركة تمارس عملاً تجارياً دون اتخاذ أحد الأشكال المحددة تكون “باطلة”. الطبيعة القانونية للبطلان: هذا البطلان هو مطلق، بمعنى أن له أثراً رجعياً ينسف الوجود القانوني للشركة من أساسه. ويترتب على ذلك نتيجتان خطيرتان: الحق في التمسك بالبطلان: يُمنح هذا الحق “لكل ذي مصلحة” (الشركاء، الدائنون، وحتى الأطراف الثالثة المتعاملة مع الشركة)، بالإضافة إلى سلطة المحكمة في أن “تقضي بذلك من تلقاء نفسها”. تصفية الشركة: في حال الحكم بالبطلان، يتم تصفية الشركة وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل تأسيسها، مما يخلق فوضى مالية وتعاقدية. 2. المسؤولية الشخصية والتضامنية (The Fatal Risk): الفقرة الثانية من المادة (5) هي المادة الأكثر إثارة للمخاطر على المؤسسين: “ويكون الأشخاص الذين تعاملوا أو تصرفوا باسم الشركة أو لحسابها مسؤولين شخصيا، وبالتضامن عن الالتزامات الناشئة عما قاموا به من أعمال…” انعدام الحماية: تزيل هذه الفقرة الدرع الأهم الذي توفره الشركة (وهو الفصل بين الذمة المالية للشركة والشركاء). المسؤولية الشخصية والتضامنية: يصبح الأفراد الذين أجروا التصرفات (كالمديرين أو المؤسسين) مسؤولين بأموالهم الخاصة عن ديون الشركة الباطلة. كونها مسؤولية بالتضامن يعني أن الدائن له الحق في مطالبة أي من هؤلاء الأشخاص بكامل الدين. هنا تكمن المخاطرة الأكبر التي يجب أن تُدار قانونياً. المحور الثالث: الإدارة القانونية للمخاطر في عقود الشركات (تطبيق المادتين) يجب على الإدارة القانونية، عند صياغة العقود أو الدخول في تعاملات، أن تتخذ إجراءات وقائية مباشرة للتحصن ضد مخاطر المادة (5). 1. التدقيق القانوني الوقائي (Due Diligence): قبل توقيع أي عقد هام، يجب على المستشار القانوني التأكد من: سلامة الشكل القانوني للشركة: مراجعة السجل التجاري والوثائق التأسيسية للتأكد من أن شكل الشركة المسجل يتوافق فعلياً مع نشاطها. سلطة التمثيل: التأكد من أن الشخص الموقع على العقد (المدير أو الممثل) يمتلك السلطة القانونية الممنوحة له بموجب النظام الأساسي للشركة، وأن هذه السلطة تتفق مع الشكل القانوني للشركة. 2. صياغة العقود وتضمين شروط الحماية: في عقود التأسيس وعقود الأطراف الثالثة، يجب إدراج شروط تهدف إلى إدارة المخاطر الناتجة عن البطلان: شرط الضمان والتعويض: إدراج بند في العقود الموقعة مع أطراف ثالثة يلزم الطرف المتعاقد بتقديم ضمانات حول صحة تأسيس شركته وفقاً للقانون العماني، والتعويض في حال ثبت بطلانها بأثر رجعي (وهو إجراء يحول المخاطرة إلى مسؤولية تعاقدية). شرط قابلية الانفصال (Severability Clause): يجب أن تنص العقود على أن بطلان أو إلغاء أي جزء منها (مثل البنود المتعلقة بالتمثيل) لا يؤدي بالضرورة إلى بطلان العقد كاملاً، للحفاظ على استمرارية الالتزامات قدر الإمكان. 3. دور القاضي الإداري في الرقابة: عند الحديث عن التصرفات الإدارية المتعلقة بالشركات (كالترخيص أو التسجيل)، فإن القضاء الإداري يلعب دوراً رقابياً لضمان تطبيق صحيح للمادة (4) في الأصل. يجب أن تتأكد الجهة الإدارية من أن طلب تسجيل الشركة يتوافق مع الأشكال المحددة قبل منح الترخيص التجاري. المحور الرابع: الفروقات الدقيقة في الأشكال القانونية لإدارة المسؤولية يجب على الإدارة القانونية أن تدرك أن الشكل القانوني هو الذي يحدد سقف المسؤولية: المسؤولية المقيدة (Limited Liability): هي الملاذ الآمن. في الشركة محدودة المسؤولية، لا يسأل الشريك عن ديون الشركة إلا في حدود حصته من رأس المال. وهذا هو النموذج الأفضل لإدارة المخاطر المالية. المسؤولية المطلقة (Unlimited Liability): هي أعلى درجات المخاطرة. في شركة التضامن، يكون الشريك مسؤولاً مسؤولية شخصية ومطلقة وتضامنية عن جميع ديون الشركة، مما يهدد ثروته الخاصة. إدارة المخاطر تبدأ باختيار الشكل الذي يوفر الحد الأقصى من “حماية الذمة” (Asset Protection) للشركاء، ثم تتجه إلى حماية الشركة نفسها من البطلان. خلاصة: القانون كأداة وقائية المادتان (4) و (5) من قانون الشركات التجارية العماني ليستا مجرد نصوص تنظيمية، بل هما إجراءان وقائيان يهدفان إلى فلترة السوق التجاري وضمان عمل الشركات تحت إطار قانوني واضح. إن عقوبة البطلان المطلق والمسؤولية الشخصية والتضامنية التي تفرضها المادة (5) هي إنذار صريح للمؤسسين بضرورة التعاقد والاستمرار في العمل ضمن حدود الأشكال القانونية المحددة. يقع على عاتق المستشار القانوني مهمة تحويل هذه النصوص الآمرة إلى برامج حوكمة وتدقيق فعالة، تضمن سلامة تأسيس الشركة وسلامة جميع عقودها وتصرفاتها، وبذلك يتحول القانون من مصدر للعقوبات إلى حصن أمان يحمي
قانون الشركات العماني: البطلان والمخاطر في المادتين (4) و (5). قراءة المزيد »