مقدمة
يمثل المرسوم السلطاني رقم 18/2019 بإصدار قانون الشركات التجارية العماني (ق ش ت) نقطة تحول مفصلية في البيئة القانونية للأعمال في سلطنة عُمان. يضع هذا القانون إطاراً تشريعياً حديثاً لحوكمة وتنظيم جميع الكيانات التجارية. وفي صميم هذا التشريع يقف نص المادة (3)، وهي المادة التأسيسية التي تقدم تعريف الشركة القانوني العماني، وتحدد أركان وجودها، وطبيعة العلاقة بين الشركاء.
إن استيعاب هذه المادة يعد أمراً ضرورياً للمستثمرين ورجال الأعمال والمستشارين القانونيين، فهي القاعدة التي تُبنى عليها كافة الأحكام اللاحقة المتعلقة بالمسؤولية، وتوزيع الأرباح والخسائر، وشروط التأسيس. يتناول هذا المقال تحليلاً متعمقاً للمادة (3)، مجزئاً إياها إلى أركانها التقليدية والمستجدات الحديثة التي أدخلتها.
النص الحرفي للمادة (3)
تنص المادة (3) من قانون الشركات التجارية العماني على الآتي:
“الشركة التجارية كيان قانوني ينشأ بموجب عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، وذلك بتقديم حصة في رأس المال تكون إما حقوقا مادية، وإما معنوية، وإما خدمات أو عملا، لاقتسام أي ربح أو خسارة تنتج عن المشروع.1
واستثناء من أحكام الفقرة السابقة، يجوز أن تتكون الشركة من شخص واحد وفقا لأحكام هذا القانون.”2
الجزء الأول: الأركان التقليدية للتأسيس
يحدد الجزء الأول من المادة الركائز الأساسية التي تقتضيها نظرية العقد في تكوين الشركات:
1. الكيان القانوني المستقل
يبدأ التعريف بتأكيد أن الشركة “كيان قانوني ينشأ بموجب عقد”. هذا الإقرار يرسخ مبدأ الشخصية الاعتبارية المستقلة؛ أي أن الشركة تُصبح كياناً قانونياً منفصلاً عن ذمم مؤسسيها. هذا الاستقلال يمنح الشركة:
-
القدرة على امتلاك الأصول وتحمل الالتزامات باسمها الخاص.
-
ذمة مالية منفصلة تسمح بمبدأ المسؤولية المحدودة للشركاء.
-
أهلية التقاضي (أن تقاضي وأن تُقاضى).
2. الأساس العقدي وتعدد الشركاء
يشير النص إلى أن الشركة تنشأ “بموجب عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر”. هذا يعكس المفهوم التقليدي للشراكة كعقد يبرم بين طرفين أو أكثر، حيث يتفق المؤسسون على المشاركة في تحقيق هدف مشترك وفقاً للشروط المتفق عليها في عقد التأسيس.
3. الهدف الأساسي: استهداف الربح
الغاية المحورية التي تميز الشركة التجارية عن الجمعيات والمؤسسات غير الربحية هي أن المشروع يجب أن “يستهدف الربح”. هذا القصد الربحي هو الدافع الأساسي للمشاركة، ويؤثر في طبيعة الأنشطة المسموح بها للشركة والتزاماتها الضريبية والمالية.
4. تنوع الحصص المقدمة في رأس المال
قدمت المادة (3) توسعاً عصرياً في مفهوم رأس المال، حيث يمكن أن تكون الحصص:
أ. حقوقاً مادية: وهي الحصص النقدية أو العينية الملموسة (كالعقارات والمعدات).
ب. حقوقاً معنوية: وهي الأصول غير الملموسة (كحقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع، والشهرة التجارية).
ج. خدمات أو عملاً: وهي الحصص المقدمة في شكل مجهود أو خبرة، وهذا النوع غالباً ما يقتصر قبوله على شركات الأشخاص (كشركات التضامن) ولا يُستخدم لتكوين رأس مال شركات الأموال (كشركة ذات المسؤولية المحدودة).
5. اقتسام الأرباح والخسائر
ينتهي الجزء الأول بتأكيد الغاية النهائية من الإسهام، وهي “لاقتسام أي ربح أو خسارة تنتج عن المشروع”. هذا المبدأ يحكم توزيع النتائج المالية للشركة بين الشركاء، وعادةً ما يكون التوزيع متناسباً مع الحصص المقدمة، ما لم ينص عقد الشركة صراحةً على خلاف ذلك، شريطة عدم مخالفة القواعد الآمرة في القانون.
الجزء الثاني: الاستثناء الحديث – شركة الشخص الواحد
أدخلت المادة (3) تحديثاً جوهرياً يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية لدعم ريادة الأعمال، حيث نصت على:
“واستثناء من أحكام الفقرة السابقة، يجوز أن تتكون الشركة من شخص واحد وفقا لأحكام هذا القانون.”
هذا الاستثناء يُشرعن شركة الشخص الواحد، وهي خطوة هامة لتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتخفيف الأعباء الإدارية على رواد الأعمال المنفردين في عُمان.
1. دعم ريادة الأعمال والمرونة
إلغاء شرط الحد الأدنى من الشركاء (شخصان) يتيح لمالك العمل الوحيد تأسيس كيان قانوني دون الحاجة إلى شريك صوري. هذا يضفي مرونة كبيرة على بيئة الأعمال.
2. ميزة المسؤولية المحدودة
عادةً ما تتخذ شركة الشخص الواحد شكل شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة (م ش م). هذه الميزة هي الأكثر أهمية؛ حيث تتيح للمؤسس الوحيد الاستفادة من مبدأ المسؤولية المحدودة، مما يحمي ذمته المالية الشخصية من ديون والتزامات الشركة (ما لم يكن هناك خرق لقواعد الإفلاس أو المسؤولية الشخصية).
3. الالتزام بالضوابط القانونية
يظل هذا الاستثناء مقيداً بضرورة الالتزام بباقي “أحكام هذا القانون”. أي أن شركة الشخص الواحد يجب أن تستوفي كافة المتطلبات الأخرى المفروضة على الشركات بشكل عام فيما يخص رأس المال، والتسجيل، والالتزامات المالية والرقابية.
الخلاصة
تُشكل المادة (3) الأساس التشريعي الراسخ والحديث لـ تعريف الشركة القانوني العماني. لقد نجح قانون الشركات التجارية الجديد في المزج بين متطلبات النظرية التعاقدية التقليدية التي تضمن قوة الكيان القانوني، وبين المرونة العصرية التي تتطلبها بيئة الأعمال، لا سيما من خلال إدراج شركة الشخص الواحد وتوسيع أنواع الحصص المقبولة في رأس المال.
إن فهم هذه المادة ليس مجرد أمر نظري، بل هو الخطوة الأولى والضرورية لضمان الامتثال القانوني السليم واتخاذ القرارات التأسيسية الصحيحة التي تضمن نجاح واستدامة الكيان التجاري في سلطنة عُمان.
مرسوم سلطاني رقم ١٨ / ٢٠١٩ بإصدار قانون الشركات التجارية
الإدارة القانونية للمخاطر وعقود الشركات
الإدارة القانونية للمخاطر وعقود الشركات: الدرع الاستراتيجي لنمو الأعمال في سلطنة عمان