المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

 

مقدمة

يُعد قانون العمل العماني منارة لتنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال في سلطنة عُمان، ومفتاحًا لتحقيق التوازن المنشود بين الحقوق والواجبات. ومع إصدار المرسوم السلطاني رقم ٥٣ / ٢٠٢٣، شهدت الساحة التشريعية العمانية نقلة نوعية تهدف إلى ترسيخ بيئة عمل أكثر عدلاً، كرامة، واستقرارًا. لم يعد القانون مجرد إطار ينظم العلاقات التعاقدية، بل أصبح أداة حقيقية لحماية حقوق العمال وتوفير بيئة عمل ملائمة ومُنصفة تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، وتدعم في الوقت ذاته تنافسية سوق العمل المحلي وجاذبيته للاستثمارات.


 

تحديث تشريعي لمواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعي

جاء إصدار المرسوم السلطاني رقم ٥٣ / ٢٠٢٣ ليحل محل قانون العمل السابق، في خطوة تعكس التزام القيادة الرشيدة في سلطنة عُمان بتطوير الأطر القانونية لتواكب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة على المستويين المحلي والعالمي. يهدف القانون الجديد إلى تعزيز الشفافية والعدالة في سوق العمل، ووضع معايير واضحة لحقوق وواجبات كل من العمال وأصحاب العمل، مما يسهم في بناء علاقات عمل مستقرة ومنتجة.

يعالج القانون العديد من النقاط التي كانت محل نقاش أو تحتاج إلى تحديث، لضمان حماية أوسع للعمال وتوفير مرونة أكبر لأصحاب العمل ضمن إطار من العدالة والإنصاف. إنه يمثل استثمارًا في رأس المال البشري، ويعزز من جاذبية السلطنة كوجهة عمل واستثمار.


 

المادة (٣): ترسيخ الحقوق الأساسية وضمان عدم التخفيض

 

تعد المادة (٣) من قانون العمل العماني الجديدة جوهرية في تأكيد التزام القانون بحماية العمال. تنص هذه المادة بوضوح على أن كل صاحب عمل ملزم بتوفير الحد الأدنى للحقوق المقررة للعامل بموجب أحكام هذا القانون. هذا النص يرسخ مبدأ أساسيًا وهو أن هناك أرضية صلبة من الحقوق لا يمكن النزول عنها بأي حال من الأحوال.

ولمزيد من الحماية، نصت المادة على جزء بالغ الأهمية: “لا يجوز لصاحب العمل إجراء أي تخفيض في المستويات والشروط التي تم تشغيل العامل بموجبها قبل سريان هذا القانون.” هذا يعني أن القانون لا يحمي فقط الحقوق الجديدة التي نص عليها، بل يمتد ليشمل الحقوق المكتسبة سابقًا. فإذا كان العامل يعمل بموجب عقد أو شروط توفر له امتيازات أو ظروف عمل أفضل مما نص عليه القانون الجديد، فلا يحق لصاحب العمل أن يخفض من هذه المستويات أو الشروط بعد تطبيق القانون. هذا البند يضمن عدم تضرر العمال الذين كانت أوضاعهم أفضل من الحد الأدنى المقرر قانونًا، ويعكس التزامًا قويًا بعدم الانتقاص من المكتسبات العمالية. إنه يوفر شعورًا بالأمان والاستقرار للعمال الموجودين بالفعل في سوق العمل.


 

المادة (٤): إبطال الشروط المخالفة وحماية الحقوق المكتسبة

 

تأتي المادة (٤) لتكون بمثابة صمام أمان آخر لحقوق العمال، حيث تؤكد على مبدأ بطلان الشروط المخالفة. تنص المادة على أن أي شرط أو اتفاق يخالف أحكام قانون العمل يكون باطلاً، وهذا البطلان لا يقتصر على الاتفاقيات المستقبلية فحسب، بل يمتد ليشمل ما كان “سابقًا لبدء العمل بالقانون، ما لم يكن في صالح العامل”. هذا يعني أن القانون الجديد يتمتع بقوة رجعية في هذا الجانب، ولكن فقط إذا كان ذلك في صالح العامل. فإذا كان هناك شرط قديم يتعارض مع القانون الجديد ولكنه يوفر فائدة أكبر للعامل، فإنه يبقى ساري المفعول. أما إذا كان الشرط القديم يتعارض مع القانون الجديد ويُقلل من حقوق العامل، فإنه يُصبح باطلاً بحكم القانون.

ولمزيد من الحماية، تُبطل المادة أيضًا أي إبراءات أو مصالحات تتنازل عن الحقوق الناشئة عن هذا القانون إذا كانت مخالفة لأحكامه. هذا النص بالغ الأهمية لمنع أي ممارسات قد تضغط على العمال للتنازل عن حقوقهم تحت أي ظرف. سواء كان ذلك عبر توقيع مستندات إبراء ذمة أو التوصل إلى مصالحات لا تلتزم بالحد الأدنى للحقوق التي يكفلها القانون. يُعتبر هذا النص ضمانة قوية للعامل للحفاظ على حقوقه وتجنب أي استغلال أو تحايل من قبل صاحب العمل. إنه يرسخ مبدأ أن حقوق العمل الأساسية ليست قابلة للتفاوض أو التنازل عنها بطرق تضر بالطرف الأضعف في المعادلة.


 

المادة (٥): حظر العمل الجبري والقسري: كرامة الإنسان أولاً

 

تُكرس المادة (٥) أحد أهم المبادئ الإنسانية والحقوقية في سوق العمل، وهو حظر فرض أي شكل من أشكال العمل الجبري أو القسري على العامل. هذا الحظر ليس مجرد بند قانوني، بل هو إعلان واضح لالتزام سلطنة عُمان بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان ومنظمات العمل الدولية، التي تحارب كافة أشكال العبودية والاستغلال.

إن هذا النص يضمن أن كل عامل في السلطنة يتمتع بحقه في الحرية والكرامة، وأن عمله يجب أن يكون نابعًا عن إرادة حرة واختيار طوعي. يُعد هذا الحظر جزءًا لا يتجزأ من رؤية السلطنة لتوفير بيئة عمل صحية وآمنة، تحترم الكرامة الإنسانية وتضمن حرية العمل، وتمنع أي ممارسات قد تؤدي إلى استغلال العمال أو تقييد حرياتهم تحت أي ذريعة. إنه يعزز صورة عُمان كدولة تحترم حقوق الإنسان وتلتزم بالعدالة الاجتماعية.


 

الأهداف والمنافع بعيدة المدى لقانون العمل الجديد

 

يُعتبر المرسوم السلطاني رقم ٥٣ / ٢٠٢٣ خطوة استراتيجية متعددة الأبعاد نحو تحسين بيئة العمل في سلطنة عُمان، وله أبعاد تتجاوز مجرد تنظيم العلاقات العمالية.

 

تعزيز الاستقرار في سوق العمل:

 

من خلال تحديد واضح للحقوق والواجبات، يقلل القانون من النزاعات العمالية ويوفر أساسًا صلبًا للتعاون بين العمال وأصحاب العمل. هذا الاستقرار يصب في مصلحة النمو الاقتصادي المستدام.

 

جذب الاستثمارات الأجنبية:

 

يُسهم القانون في تحسين ظروف العمل وتوفير إطار قانوني قوي وواضح يحمي حقوق جميع الأطراف. هذا الوضوح القانوني والموثوقية يُعدان عاملين رئيسيين في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث يبحث المستثمرون عن بيئات عمل مستقرة وعادلة تضمن حقوقهم ومصالح عمالهم.

 

التوافق مع المعايير الدولية:

 

يعكس القانون الجديد التزام السلطنة بتطوير وتحسين بيئة العمل بما يتماشى مع المعايير الدولية لمنظمة العمل الدولية والممارسات العالمية الفضلى. هذا التوافق يعزز من مكانة عُمان على الخريطة الاقتصادية العالمية ويدعم مشاركتها في الاقتصاد العالمي.

 

حماية العامل كمورد بشري:

 

ينظر القانون إلى العامل ليس فقط كطرف في عقد عمل، بل كـ “رأس مال بشري” يجب حمايته وتوفير بيئة مناسبة له ليزدهر. هذا يشمل الصحة والسلامة المهنية، وضمان أجور عادلة، وظروف عمل لائقة.

 

تعزيز التنافسية الاقتصادية:

 

من خلال توفير قوى عاملة محمية ومتحفزة، وتسهيل الإجراءات القانونية، يدعم القانون الشركات العمانية لتكون أكثر تنافسية في السوق المحلي والدولي.


 

نظرة مستقبلية: قانون لمستقبل العمل في عُمان

 

في الختام، يُعد قانون العمل العماني الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٥٣ / ٢٠٢٣ إنجازاً تشريعياً هاماً يعكس التزام سلطنة عُمان بالعدالة، التنمية، والتقدم. إنه مثال ساطع على السعي المتواصل لتطوير وتحسين بيئة العمل بما يتماشى مع المعايير الدولية وأفضل الممارسات. هذا القانون ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو خارطة طريق نحو مستقبل عمل أكثر إنصافاً، استقراراً، وازدهاراً لجميع العاملين وأصحاب العمل في السلطنة.

من خلال هذه التحديثات الجوهرية، تؤكد عُمان مجدداً على رؤيتها التنموية الشاملة، التي تضع الإنسان في جوهرها، وتسعى لتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي مستدام يعود بالنفع على الأجيال الحالية والمستقبلية.

قانون العمل العماني


  • All Posts
  • "Omani Law Articles"
  • الأنظمة السعودية
  • التحكيم القانوني في كندا عن بُعد
  • التحكيم للجالية العربية في بريطانيا
  • القانون الدولي والتحكيم
  • القانون العماني
  • القانون القطري
  • القانون الكويت
  • كتابة المذكرات القانونية في الخليج
  • مذكرات قانونية
    •   Back
    • قانون الاستثمار
    •   Back
    • قانون العمل
Load More

End of Content.