المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية


 

الاتجار بالمخدرات في القانون العماني: فهم أركان الجريمة وأهمية القصد الجنائي

 

في سلطنة عُمان، تُعد جرائم المخدرات من أخطر الجرائم التي يواجهها المجتمع، ولهذا السبب، يتصدى لها القانون بحزم شديد. الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا، وخاصة تلك المتعلقة بالدائرة الجزائية، تُشكل حجر الزاوية في تفسير وتطبيق النصوص القانونية، وتُسهم في بناء فهم أعمق لأركان هذه الجرائم. يُظهر حكم الطعنان رقم 481 و 482 / 2019م مبادئ قضائية هامة للغاية فيما يتعلق بـجناية الاتجار بالمواد المخدرة، وكيفية إثباتها، بالإضافة إلى تفصيل دور القصد الجنائي وإحراز المخدر في هذه الجرائم.

 

جناية الاتجار بالمخدرات: مفهومها وأركانها

 

يُشير الحكم الصادر عن المحكمة العليا إلى أن جناية الاتجار بالمواد المخدرة لا تقتصر على عمليات البيع والشراء التقليدية فحسب، بل تمتد لتشمل أي فعل يتعلق بتلك المواد. هذا التفسير الواسع يعكس حرص المشرع والقضاء على مكافحة هذه الآفة من جميع جوانبها. وفقًا للمحكمة، تتحقق هذه الجناية بمجرد قيام الجاني بأي من الأفعال التالية، سواء كانت تصرفات قانونية أو أعمالًا مادية:

  1. التصرفات القانونية:

    • البيع: وهو التنازل عن المخدرات مقابل ثمن.

    • الشراء: الحصول على المخدرات بغرض الاتجار بها لاحقًا.

    • التبادل: مبادلة المخدرات بسلع أو خدمات أخرى.

    • التنازل: التخلي عن المخدرات لشخص آخر بأي شكل.

    • التوسط: لعب دور الوسيط بين البائع والمشتري أو أي طرفين في صفقة مخدرات، حتى لو لم يقم بحيازة المخدرات بنفسه.

  2. الأعمال المادية:

    • النقل: تحريك المخدرات من مكان إلى آخر، سواء داخل السلطنة أو عبر الحدود.

    • التسليم: تسليم المخدرات لشخص آخر، حتى لو كان ذلك مجرد تسليم عابر.

هذا التفسير الشامل يُبرز أن المشرع العماني يُعاقب على كل خطوة في سلسلة الاتجار بالمخدرات، بدءًا من الإنتاج أو الاستيراد وصولًا إلى التسليم النهائي للمستهلكين، وحتى الأفعال التي تسبق أو تلي هذه العمليات مباشرة. الهدف هو سد جميع الثغرات التي قد يستغلها المتاجرون لتجنب المسؤولية الجنائية.

 

القصد الجنائي في جرائم الاتجار بالمخدرات: الإرادة والعلم

 

يُعد القصد الجنائي عنصرًا جوهريًا في أي جريمة جنائية، وفي جرائم المخدرات، يكتسب أهمية بالغة. يُوضح الحكم الصادر من المحكمة العليا أن القصد الجنائي في جناية الاتجار بالمخدرات يتحقق ببساطة عندما يُقدم الجاني على ارتكاب الفعل الجرمي بـإرادة واختيار، مع علمه التام بأن المشرع يُحرم ذلك الفعل.

هذا يعني أن إثبات القصد الجنائي لا يتطلب بالضرورة إثبات نية الجاني تحقيق ربح مادي كبير، أو حتى وجود خطة معقدة للاتجار. يكفي أن يُثبت القضاء أن المتهم:

  1. كان مُدركًا لما يفعله: أي أنه قام بالفعل عن وعي وإدراك، ولم يكن مجبرًا أو فاقدًا للإدراك.

  2. كان يعلم أن الفعل مُحرم قانونيًا: أي أنه كان على علم بأن الفعل الذي يرتكبه (كالبيع، النقل، التسليم، إلخ) يتعلق بمواد مخدرة محظورة بموجب القانون العماني. هذا العلم يُفترض في الغالب، ولا يُقبل غالبًا الدفع بالجهل بالقانون.

لا يُشترط أن يُفصح الجاني عن نيته صراحة، بل يُستدل على القصد الجنائي من خلال الظروف المحيطة بالجريمة، والسلوك العام للجاني، والأدلة المقدمة في الدعوى. على سبيل المثال، قد يُستدل على القصد الجنائي من:

  • حجم الكمية المضبوطة من المخدرات.

  • طريقة إخفاء المخدرات.

  • وجود أدوات تُستخدم في الاتجار (مثل الموازين، أكياس التعبئة، مبالغ نقدية كبيرة).

  • وجود رسائل أو اتصالات تُشير إلى صفقات مشبوهة.

  • تاريخ الجاني الجنائي في جرائم مماثلة.

 

جناية إحراز المخدر بقصد الاتجار: واقعة مادية وتقدير المحكمة

 

يُفرق القانون والقضاء بين إحراز المخدر للاستهلاك الشخصي وإحراز المخدر بقصد الاتجار. يُشدد الحكم الصادر عن المحكمة العليا على أن جناية إحراز المخدر بقصد الاتجار هي واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها. هذا يعني أن المحكمة هي الجهة المخولة بتقدير الأدلة واستخلاص النتيجة النهائية بناءً على ما يُقدم لها من براهين وقرائن.

أهمية تقدير قاضي الموضوع:

  • القاضي هو من يُقدر مدى قوة الأدلة وضعفها.

  • له الحق في الأخذ ببعض الأدلة ورفض أخرى، طالما كان تقديره مُسببًا ومنطقيًا.

  • تُشكل هذه السلطة القضائية ضمانة لتحقيق العدالة، حيث يُمكن للقاضي الأخذ في الاعتبار جميع تفاصيل القضية.

دور كمية المخدرات في إثبات القصد:

يُشير الحكم أيضًا إلى نقطة بالغة الأهمية تتعلق بـكمية المخدرات المضبوطة: “أن ضآلة كمية المخدرات أو كبرها هي من الأمور التي تخضع لتقدير المحكمة ما دامت قد اقتنعت للأسباب التي بينتها في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى.”

هذا يعني أن:

  • كمية كبيرة: غالبًا ما تكون مؤشرًا قويًا على أن الإحراز بقصد الاتجار، وليس للاستخدام الشخصي.

  • كمية ضئيلة: لا تعني بالضرورة أن القصد هو الاستهلاك الشخصي. فالمحكمة يُمكنها، بناءً على أدلة أخرى وقرائن وظروف الدعوى، أن تستنتج أن الإحراز كان بقصد الاتجار حتى لو كانت الكمية صغيرة. على سبيل المثال، إذا وُجدت كمية قليلة من المخدرات مع أدوات التعبئة أو مبالغ نقدية كبيرة، أو تُشير الاتصالات إلى صفقات، فقد يُعتبر ذلك دليلًا على قصد الاتجار.

يُعد هذا المبدأ حيويًا لأنه يمنح المحكمة المرونة اللازمة للتعامل مع مختلف السيناريوهات التي تُقدم إليها، ويُمكنها من تجاوز مجرد النظر إلى الكمية، والأخذ في الاعتبار السياق الكامل للجريمة.

 

التحديات القانونية وأهمية الدفاع الجنائي

 

إن تعقيد قضايا المخدرات، خاصة تلك المتعلقة بالاتجار، يُبرز أهمية الاستعانة بـمحامٍ متخصص في القانون الجنائي في سلطنة عُمان. يُمكن للمحامي المتمرس أن يُسهم بشكل كبير في:

  • تحليل الأدلة: تقييم الأدلة المقدمة من الادعاء العام، والبحث عن أي ثغرات أو نقاط ضعف فيها.

  • تقديم الدفاع: بناء دفاع قوي يُوضح موقف المتهم، ويُقدم الأدلة المضادة التي قد تُبرئ ساحته أو تُخفف العقوبة.

  • إثبات عدم وجود القصد الجنائي: في بعض الحالات، قد يكون إثبات عدم علم المتهم بأن المادة مخدرة، أو عدم قصده الاتجار بها، هو مفتاح القضية.

  • التفاوض: في بعض الأحيان، يُمكن للمحامي التفاوض مع الادعاء العام أو تقديم طلبات معينة للمحكمة لتخفيف العقوبة أو الحصول على حكم أكثر رأفة.

  • الطعن في الأحكام: إذا صدر حكم غير مرضٍ، يُمكن للمحامي تقديم الطعون اللازمة أمام المحاكم الأعلى درجة، كما هو الحال في الطعنان المذكوران.

إن كل قضية تختلف عن الأخرى، والظروف المحيطة بها تُشكل فارقًا كبيرًا في الحكم. لذا، فإن الفهم العميق للمبادئ القضائية المستقرة، مثل تلك التي تُرسخها أحكام المحكمة العليا، يُعد أساسًا لأي دفاع قانوني ناجح.

 

خاتمة

 

تُوضح أحكام المحكمة العليا في سلطنة عُمان المتعلقة بجرائم الاتجار بالمخدرات التزام الدولة الصارم بمكافحة هذه الظاهرة. إن التفسير الواسع لمفهوم الاتجار، والتركيز على إثبات القصد الجنائي من خلال الإرادة والعلم، بالإضافة إلى مرونة المحكمة في تقدير أدلة الإحراز، يُشكلان معًا إطارًا قانونيًا قويًا يهدف إلى تحقيق العدالة وردع مرتكبي هذه الجرائم. كجهة تقدم استشارات قانونية أو محتوى توعوي، فإن تسليط الضوء على هذه الجوانب يُسهم في زيادة الوعي القانوني ويُعزز من فهم الجمهور لخطورة هذه الجرائم والتبعات القانونية المترتبة عليها.

قانون الجزء العماني

 

  • All Posts
  • "Omani Law Articles"
  • الأنظمة السعودية
  • التحكيم القانوني في كندا عن بُعد
  • التحكيم للجالية العربية في بريطانيا
  • القانون الدولي والتحكيم
  • القانون العماني
  • القانون القطري
  • القانون الكويت
  • كتابة المذكرات القانونية في الخليج
  • مذكرات قانونية
    •   Back
    • قانون الاستثمار
    •   Back
    • قانون العمل
Load More

End of Content.