المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

حصن العدالة: إجراءات وضمانات حقوق المتهم في سلطنة عُمان

حصن العدالة: إجراءات وضمانات حقوق المتهم في سلطنة عُمان

 

بقلم: المحامي يوسف الخضوري

في ظل المنظومة التشريعية المتطورة لسلطنة عُمان، يمثل حق الدفاع والضمانات الإجرائية للمتهم حجر الزاوية الذي يقوم عليه صرح العدالة الجنائية. إن مبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” ليس مجرد قاعدة دستورية، بل هو خط سير إلزامي تتبعه جميع سلطات التحقيق والمحاكمة، بدءاً من جهاز الشرطة ومروراً بالادعاء العام ووصولاً إلى المحاكم المختصة.

يستعرض هذا المقال رحلة الدعوى الجزائية في سلطنة عُمان، مسلطاً الضوء على أبرز الإجراءات الإلزامية والضمانات القانونية التي تحمي حقوق المتهم في كل مرحلة، وفقاً لما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية العماني.


 

المحور الأول: الحقوق الدستورية والضمانات الأساسية

 

تستمد حقوق المتهم في سلطنة عُمان قوتها من النظام الأساسي للدولة، الذي يرسخ مبدأ سيادة القانون ويكفل الحريات الشخصية:

 

1. البراءة هي الأصل (المادة 4 من قانون الجزاء):

 

ينص القانون العماني بوضوح على أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع وفقاً للقانون”. هذا المبدأ يحمل دلالتين: أولاهما، أن الأصل في الإنسان هو البراءة؛ وثانيتهما، أن الإدانة لا تكون إلا بحكم قضائي بات صدر بعد إجراءات عادلة.

 

2. لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون:

 

يُعد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، أو مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون”، ضمانة أساسية تمنع محاكمة أي شخص عن فعل لم يُجَرَّم صراحة بنص تشريعي، وتمنع توقيع عقوبة غير منصوص عليها قانوناً.

 

3. حظر الإكراه الجسدي والنفسي:

 

يضمن القانون حرمة الجسد وحرية الإرادة. يُحظر قانوناً أي إكراه أو تعذيب مادي أو معنوي لحمل المتهم على الاعتراف. وفي حال ثبوت حصول اعتراف تحت الإكراه، يعتبر هذا الاعتراف باطلاً قانوناً ولا يجوز الاستناد إليه في الإدانة.


 

المحور الثاني: مرحلة الاستدلال والتحقيق (الادعاء العام)

 

تبدأ الدعوى الجزائية بمرحلة جمع الاستدلالات (الشرطة) تليها مرحلة التحقيق الابتدائي (الادعاء العام)، وفي هاتين المرحلتين تظهر الضمانات الإجرائية الآتية:

 

1. الحق في إبلاغ المتهم بالتهمة:

 

يجب على سلطة التحقيق أن تُعلِم المتهم فوراً وباللغة التي يفهمها بالتهم المنسوبة إليه، وبجميع الأدلة القائمة ضده. لا يجوز البدء في استجوابه قبل هذا الإجراء.

 

2. ضمانات القبض والحبس الاحتياطي:

 

  • القبض: لا يجوز القبض على شخص وحبسه إلا بأمر من السلطات المختصة (الادعاء العام أو القضاء)، ويكون القبض في أضيق الحدود، ما لم يكن المتهم في حالة تلبس بالجريمة.

  • الإفراج والتكفيل: يحق للمتهم طلب الإفراج المؤقت عنه بكفالة مالية أو شخصية، متى كانت الجريمة لا تستوجب الإعدام أو السجن المطلق، ويكون القرار في هذا الشأن خاضعاً لرقابة القضاء.

  • مدد الحبس: قانون الإجراءات الجزائية يحدد مدد قصوى للحبس الاحتياطي (عادة 7 أيام قابلة للتمديد لمدد محددة)، ولا يجوز التمديد لمدة أطول إلا بقرار من القضاء.

 

3. حق الاستعانة بالمحامي (الدرع القانوني):

 

يُعتبر حق الاستعانة بمحامٍ من أهم الضمانات في مرحلة التحقيق:

  • حضور الاستجواب: للمتهم ومحاميه الحق في حضور إجراءات الاستجواب والمواجهة.

  • الاطلاع المسبق: تنص المادة (115) من قانون الإجراءات الجزائية على وجوب السماح للمحامي بـ الاطلاع على ملف التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة، لتمكينه من بناء استراتيجية الدفاع المناسبة.

  • التعيين الوجوبي: في الجنايات التي تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المطلق، يجب على المحكمة أو الادعاء العام تعيين محام للمتهم على نفقة الدولة إذا لم يوكل محامياً.


 

المحور الثالث: مرحلة المحاكمة والحكم

 

تنتقل الدعوى إلى القضاء لتتحول ضمانات المتهم من إجراءات تحقيقية إلى حقوق تتعلق بنزاهة المحاكمة:

 

1. مبدأ علنية المحاكمات:

 

الأصل في الجلسات القضائية أن تكون علنية، لضمان رقابة المجتمع على سير العدالة، ولا يجوز أن تكون سرية إلا إذا رأت المحكمة أن العلنية تتعارض مع الآداب العامة أو النظام العام.

 

2. حق المواجهة والمناقشة:

 

  • استدعاء الشهود: للمتهم ومحاميه الحق في طلب استدعاء شهود النفي لمناقشتهم وتقديم أدلة دفاعه.

  • الاعتراض على الأدلة: يحق للمتهم الاعتراض على الأدلة المقدمة من الادعاء العام، وطلب بطلان أي دليل تم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة (مثل التفتيش غير القانوني).

  • الكلمة الأخيرة للمتهم: وإن لم يرد نص صريح في القانون العماني حالياً، فإن الممارسة القضائية والتوجهات الحديثة في الإصلاح التشريعي (كما أوصت بعض الدراسات الأكاديمية) تمنح المتهم الحق في أن يكون آخر من يتكلم قبل إصدار الحكم، ليقدم ما يراه مناسباً لدفع التهمة عنه.

 

3. تسبيب الأحكام:

 

يجب أن تصدر الأحكام القضائية معللة، أي أن تتضمن الأسباب المنطقية والقانونية التي بنت عليها المحكمة اقتناعها بالإدانة أو البراءة. عدم تسبيب الحكم يجعله قابلاً للإلغاء من محكمة أعلى درجة.

 

4. حق الطعن في الأحكام:

 

يُعتبر حق الطعن هو الضمانة الأسمى لتصحيح الأخطاء القضائية. يحق للمتهم الطعن في الأحكام الصادرة ضده أمام محاكم الاستئناف، ومن ثم أمام المحكمة العليا (الطعن بالنقض) في الحالات التي يحددها القانون.


 

المحور الرابع: الحماية من الأضرار الناجمة عن الإجراءات

 

النظام القانوني العماني لا يكتفي بضمانات الإجراءات، بل يمتد إلى حماية المتهم حتى بعد انتهاء الدعوى:

 

1. التعويض عن الاتهام الكيدي:

 

تنص المادة (24) من قانون الإجراءات الجزائية على أن للمتهم أن يطلب من المحكمة أن تقضي له بالتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب توجيه اتهام كيدي أو كان بغير تبصر أو ترو.

 

2. التعويض عن الحبس غير المشروع:

 

في حال صدور أمر حبس احتياطي ثم ثبت عدم مشروعيته أو صدر حكم بالبراءة النهائية، يحق للمتهم التظلم والمطالبة بتعويضه عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة الحبس.


 

خاتمة: عدالة مستدامة في عُمان

 

إن الضمانات والحقوق الممنوحة للمتهم في سلطنة عُمان، والمنصوص عليها في النظام الأساسي للدولة وفي قانون الإجراءات الجزائية (97/99)، تعكس التزام الدولة بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان. هذه المنظومة القانونية تعمل على إيجاد توازن دقيق بين حق المجتمع في الأمن وحق الفرد في الحرية والحماية، مؤكدة أن تحقيق العدالة الإجرائية هو الأساس الذي لا يكتمل بناء الدولة الحديثة إلا به.

حقوق المتهم أمام الادعاء العام في سلطنة عمان: ضمانات قانونية وخبرة دفاعية

المتهم بريء حتى تثبت إدانته: درع الدفاع في قضايا غسيل الأموال وفق القانون العماني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *