المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

المادة (176) من القانون العماني: الفعل الضار.. متى يلزم التعويض؟

بقلم: المحامي يوسف الخضوري

تُعد المسؤولية التقصيرية، أو ما يُعرف في فقه القانون العماني بـ “الفعل الضار”، حجر الزاوية في حماية الحقوق الخاصة والأمن المجتمعي. إنها القاعدة التي تضمن عدم إفلات أي شخص تسبب بضرر للغير من المساءلة، سواء كان هذا الضرر مادياً أو معنوياً. وفي هذا السياق، تأتي المادة (176) من قانون المعاملات المدنية العماني كأحد النصوص التأسيسية التي تُرسخ مبدأ “من أتلف شيئاً لزمه إصلاحه”.

بصفتي محامياً متخصصاً في الدعاوى المدنية، أرى في هذه المادة دليلاً واضحاً على متانة النظام القانوني العماني وقدرته على استيعاب المبادئ الفقهية العريقة وتطبيقها ضمن إطار قانوني حديث وعادل. هذه المادة ليست مجرد نص جامد، بل هي ميزان العدالة الذي يفصل بين حق المضرور وواجب المعتدي.

 

الفعل الضار: قاعدة التعويض المطلقة (الفقرة الأولى)

 

تنص الفقرة الأولى من المادة (176) على:

“كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بالتعويض.”

هذا النص يحمل في طياته ثلاثة مبادئ قانونية محورية:

 

1. شمولية مبدأ التعويض:

 

يؤكد النص أن أي فعل يترتب عليه ضرر للغير، يجب أن يُقابل بالتعويض. هذا المبدأ يجعل من الخطأ الضار سبباً مباشراً لنشأة الالتزام بالتعويض، بمعزل عن نية الفاعل أو قصده الجنائي. فالقانون لا ينظر إلى حالة فاعل الضرر قدر ما ينظر إلى واقعة الضرر الواقعة على المضرور.

 

2. مسؤولية غير المميز (مسؤولية الحضانة والرعاية):

 

وهنا تكمن القوة التشريعية للنص. فاشتراط التعويض “ولو كان غير مميز” يهدف في المقام الأول إلى حماية المضرور وضمان جبر الضرر. “غير المميز” هو الطفل الصغير أو الشخص الذي يعاني من عارض عقلي يفقده الإدراك. القانون هنا لا يهدف إلى معاقبة غير المميز، وإنما يهدف إلى تحميل المسؤولية المالية على مَن تجب عليه رعايته أو وصايته (كالولي أو الوصي)، لضمان ألا يتحمل المضرور نتيجة فعل شخص لا يُسأل جنائياً.

من منظور عملي: هذا النص يفتح الباب أمام دعاوى التعويض المدنية ضد أولياء الأمور أو المؤسسات المسؤولة عن رعاية “غير المميز”، مما يضمن عدم ضياع حق المضرور بدعوى أن الفاعل لا يُسأل. المحكمة تقدر التعويض في هذه الحالة على أساس قاعدة العدالة والإنصاف.

 

3. أركان المسؤولية التقصيرية الثلاثة:

 

تُلخص هذه الفقرة أركان المسؤولية التقصيرية التي لا غنى عنها في أي دعوى تعويض:

  • الخطأ (الإضرار): وهو الفعل أو الترك الذي ينطوي على الإخلال بواجب قانوني أو فني أو مهني، كإهمال الطبيب أو القيادة المتهورة.

  • الضرر: وهو ما أصاب المضرور من خسارة مالية (خسارة لحقت به وكسب فات عليه) أو ضرر معنوي (ألم نفسي أو تشويه سمعة).

  • علاقة السببية: وهي الرابط المباشر بين الفعل الخاطئ والضرر الذي وقع. يجب أن يكون الخطأ هو السبب المباشر والحقيقي في حدوث الضرر.


 

الفعل الضار: التفريق الجوهري بين المباشرة والتسبب (الفقرة الثانية)

 

تنص الفقرة الثانية من المادة (176) على:

“إذا كان الإضرار بالمباشرة لزم التعويض وإن لم يتعد، وإذا كان بالتسبب فيشترط التعدي.”

هذه الفقرة هي المبدأ التوجيهي الأكثر أهمية في قضايا الضرر، وتُرسخ التفريق الفقهي والقانوني بين حالتين:

 

أولاً: الإضرار بالمباشرة (المسؤولية الموضوعية):

 

“إذا كان الإضرار بالمباشرة لزم التعويض وإن لم يتعد”

المباشرة تعني أن يكون فعل الفاعل هو السبب الوحيد والمباشر الذي أدى إلى الضرر دون تدخل عوامل أخرى.

مثال تطبيقي: قيام شخص بالاصطدام مباشرة بسيارة أخرى وإتلافها.

  • الحكم القانوني: في هذه الحالة، يكون الفاعل ملزماً بالتعويض بمجرد وقوع الضرر وعلاقة السببية المباشرة، دون الحاجة لإثبات التعدي أو الخطأ. القانون يفترض الخطأ أو التعدي نتيجة لكون الفاعل قد باشر الضرر بنفسه. عبء الإثبات على المضرور يقتصر على إثبات الفعل والضرر.

منظور المحامي: هذه القاعدة تسهل كثيراً على المضرور، حيث لا يحتاج إلى الخوض في إثبات نية المدعى عليه أو درجتها من الإهمال؛ فالمباشرة هي الإثبات.

 

ثانياً: الإضرار بالتسبب (المسؤولية المشروطة):

 

“وإذا كان بالتسبب فيشترط التعدي.”

التسبب يعني أن يكون فعل الفاعل سبباً غير مباشر، أي يكون هناك عامل أو فعل آخر شارك في إحداث الضرر.

مثال تطبيقي: قام شخص بحفر حفرة بجوار الطريق، فجاءت الرياح وأسقطت عمود إنارة في الحفرة، ثم اصطدمت سيارة أخرى بالعمود الساقط. (الفاعل تسبب بالحفر، والضرر وقع بفعل الرياح).

  • الحكم القانوني: لكي يلزم الفاعل بالتعويض في حالة التسبب، يجب على المضرور إثبات التعدي. التعدي هنا يعني:

    1. عدم وجود حق مشروع في القيام بالفعل (كأن تكون الحفرة في مكان غير مسموح به).

    2. عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة (كعدم وضع إشارات تحذير حول الحفرة).

    3. الانحراف عن معايير العناية المطلوبة.

منظور المحامي: قضايا التسبب تكون أكثر تعقيداً؛ فعبء الإثبات يقع على المضرور لإثبات أن الفاعل لم يتخذ الإجراءات المعقولة، وأن تعديه هو الذي أدى إلى الضرر النهائي. وهنا تظهر مهارة المحامي في إثبات الرابط غير المباشر بين الإهمال والتعدي من جهة، والضرر من جهة أخرى.


الأثر الردعي للمادة (176) في المجتمع العماني

 

إن المادة (176) بفقرتيها تحقق هدفين أساسيين:

  1. جبر الضرر (الهدف التعويضي): وهو إعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الفعل الضار قدر الإمكان.

  2. الردع والوقاية (الهدف المجتمعي): من خلال تحميل المسؤولية على الفاعل، حتى لو كان غير مميز (بتحميل المسؤولية على الولي)، فإن القانون يحفز الأفراد والشركات على توخي الحذر الشديد والالتزام بأقصى درجات العناية في التعاملات والأنشطة اليومية، سواء كانت مباشرة أو متسببة بضرر.

في الختام، تبقى المادة (176) من قانون المعاملات المدنية العماني نصاً دستورياً مصغراً في مجال المسؤولية التقصيرية. إنها تضع قاعدة واضحة للتعامل مع الإضرار، مؤكدة أن حق الفرد في سلامة جسده وماله هو حق أصيل ومصون، وأن القانون لن يسمح لأي فعل ضار، سواء كان مباشراً أو متسبباً، أن يمر دون محاسبة وجبر للضرر. وهذا هو جوهر العدالة المدنية التي نسعى جميعاً لترسيخها.

لأقصى استفادة قانونية: تعمّق أكثر في حقوقك المتعلقة بـ “التعويض والقانون”. اقرأ مقالاتنا ذات الصلة بالدخول عبر الروابط التالية:

كيف تحصل على التعويض عن الضرر في القانون العماني: دليل شامل

كيفية التعويض عن الضرر وفق القانون العماني؟

التعويض في القانون العُماني: الإطار القانوني لإصلاح الضرر وحماية الحقوق

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *