مقدمة: العدالة تبدأ من التحقيق
في أي نظام قضائي حديث، يمثل حق الدفاع الضمانة الأسمى لتحقيق العدالة والموازنة بين سلطة الاتهام وحرية الفرد. في سلطنة عُمان، يضع قانون الإجراءات الجزائية إطاراً واضحاً لهذه الحقوق، وتأتي المادة (١١٥) منه كعمود أساسي يرسخ مبدأ المواجهة المتكافئة في أخطر مراحل الدعوى: مرحلة التحقيق الابتدائي.
إن هذه المادة لا تضمن فقط حق المتهم في الاستعانة بوكيل قانوني، بل ترتقي به إلى مستوى الضمانة الإجرائية، مؤكدة على ضرورة مشاركة المحامي الفعّالة وعدم جواز عزله عن موكله أثناء سير الإجراءات. بصفتي المحامي يوسف الخضوري، أرى أن فهم هذه المادة وتطبيقها بحذافيرها هو مفتاح لضمان حقوق المتهم كاملة في كل قضية جزائية. هذا المقال سيسلط الضوء على تفاصيل المادة (١١٥) وكيف تشكل درع المتهم القانوني في النظام العماني.
المادة (١١٥): جوهر حق المتهم حضور محامي عُمان
تتضمن المادة (١١٥) شقين أساسيين لا ينفصلان، يشكلان معاً ضمانة إجرائية لا يجوز لسلطة التحقيق تجاوزها:
الشق الأول: حق الاطلاع المسبق على التحقيق
تنص المادة على: “يجب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة”.
هذا الحق أساسي وغير قابل للتنازل، ويهدف إلى تحقيق عدالة إجرائية قبل البدء الفعلي في الإجراء. يسمح هذا الاطلاع للمحامي بـ:
-
بناء استراتيجية الدفاع: يحدد المحامي طبيعة التهم الموجهة، الأدلة القائمة، وأقوال الشهود أو المدعين، مما يمكنه من تحضير دفوع موضوعية وشكلية قوية.
-
حماية مصالح الموكل: يصبح المحامي على دراية مسبقة بما يجب تنبيه المتهم إليه بخصوص حقه في الصمت، أو عدم الإجابة على أسئلة معينة، أو كيفية تقديم الإفادات دون الإضرار بموقفه القانوني.
-
منع المفاجأة: يضمن هذا الشق عدم مفاجأة المتهم أو محاميه بوقائع أو أدلة جديدة أثناء الاستجواب، مما يخل بمبدأ التوازن بين سلطة الاتهام والدفاع.
الشق الثاني: عدم جواز الفصل أثناء الإجراءات
تنص المادة على: “وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق”.
هذا النص هو الأكثر قوة، حيث يجعل حضور المحامي مرافقاً إلزامياً لإجراء التحقيق متى ما اختار المتهم الاستعانة به. هذا الفصل يحقق فوائد جمة:
-
ضمان سلامة الإرادة: وجود المحامي يضمن أن أقوال المتهم قد صدرت بإرادة حرة واعية، بعيداً عن أي تأثير أو ضغط قد يمارس عليه.
-
الإشراف القانوني الفوري: يسمح للمحامي بالتدخل في الحال لتسجيل أي ملاحظات إجرائية، أو الاعتراض على سؤال موجه بطريقة غير نظامية، أو طلب إثبات واقعة معينة في المحضر.
-
توحيد الموقف: يُنظر إلى المتهم ومحاميه كشخص قانوني واحد يمارس حق الدفاع، وبالتالي فإن منع أحدهما من الحضور يعد إخلالاً جوهرياً بالضمانات المقررة قانوناً.
التطبيق العملي: أثر الإخلال بالمادة (١١٥)
إن الإخلال بأحكام المادة (١١٥) لا يمثل مجرد مخالفة إجرائية بسيطة، بل قد يرقى إلى بطلان الإجراء برمته في القانون الجزائي العماني.
-
بطلان الاستجواب: إذا تم استجواب المتهم دون السماح لمحاميه الحاضر بالبقاء معه أو تم منعه من الاطلاع المسبق على التحقيق، فإن الإفادة المأخوذة قد تعتبر باطلة قانونياً. الدفع ببطلان الإجراء هو أحد أهم الدفوع الشكلية التي يرفعها المحامي المتخصص.
-
الجنايات مقابل الجنح: رغم أن حق الاستعانة بالمحامي هو حق مكفول في جميع القضايا، إلا أنه يكتسب أهمية قصوى في قضايا الجنايات الخطيرة التي تكون عقوبتها مغلظة، حيث يكون حضور المحامي مطلباً أساسياً لضمان سلامة التحقيق.
-
مواجهة سلطة الادعاء العام: المادة (١١٥) تضع حداً فاصلاً بين سلطة الادعاء العام في جمع الأدلة وبين حق الدفاع، وتلزم عضو الادعاء العام بالتعامل مع المحامي كشريك إجرائي لا يجوز تجاوزه أو عزله.
التحديات والمسؤولية المهنية للمحامي
لا يقتصر دور المحامي على الحضور الصامت؛ بل يمتد ليشمل مسؤوليات مهنية جسيمة:
-
التحضير المسبق: الاستفادة من حق الاطلاع المسبق في اليوم السابق للاستجواب ليس خياراً، بل واجب مهني لتحضير المتهم نفسياً وقانونياً.
-
التدخل الفعّال: يجب على المحامي التدخل بذكاء قانوني لمنع الأسئلة الإيحائية أو غير النظامية، مع الحفاظ على الاحترام الكامل لسلطة التحقيق.
-
تسجيل الملاحظات: على المحامي أن يطلب إثبات أي إخلال إجرائي أو ملاحظة يراها ضرورية في محضر التحقيق، لتكون أساساً للطعن والدفاع لاحقاً.
الخلاصة: حق دستوري لا يسقط بالتقادم
تُعد المادة (١١٥) تجسيداً عملياً للضمانات الدستورية المتعلقة بـ “حق المتهم حضور محامي عُمان”. إنها تؤكد على التزام سلطنة عُمان بمبادئ المحاكمة العادلة وحماية حقوق الإنسان.
أشدد على أن أي متهم يواجه إجراءات التحقيق يجب أن يصر على حقه في الاستعانة بمحامٍ متخصص. لا تترك مصير حريتك لإفادة غير مدروسة. إن الاستثمار في التمثيل القانوني منذ اللحظة الأولى للتحقيق هو الاستثمار الأمثل لضمان أن يكون مسار قضيتك سليماً ومبنياً على أصول نظامية صحيحة.
تواصل معنا فوراً لضمان حضور محاميك معك في كل خطوة من خطوات التحقيق.
بقلم المحامي يوسف الخضوري
حق المتهم في توكيل محامٍ في سلطنة عمان: ضمانات العدالة في نظام الإجراءات الجزائية العماني
قانون الإجراءات الجزائية
ضمانات المتهم في قانون الجزاء العماني: حماية العدالة وحقوق الإنسان