
مقدمة
📜 المادة (3) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني
“لا يُقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة ومشروعة يقرها القانون، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يُخشى زوال دليله عند النزاع فيه.” تعتبر المصلحة أحد أهم الشروط الجوهرية لقبول أي طلب أو دفع في الدعوى القضائية، فهي بمثابة الركيزة التي يقوم عليها الحق في اللجوء إلى القضاء. القاعدة الأساسية في هذا الشأن أن “لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة ومشروعة يقرها القانون”. هذه القاعدة ليست مجرد مبدأ شكلي، بل هي تعبير عن فلسفة قانونية عميقة تهدف إلى ترشيد العمل القضائي، ومنع الدعاوى الكيدية أو العبثية، وضمان أن القضاء لا يُشغل إلا بالخصومات الجدية التي يكون لطرفيها مصلحة حقيقية في حلها.
المصلحة: تعريف وتأصيل
المصلحة في الدعوى القضائية هي *المنفعة العملية والقانونية التي تعود على رافع الدعوى أو مقدم الدفع من الحكم الذي يصدر فيها. يجب أن تكون هذه المصلحة *شخصية ومباشرة ومحسوسة، أي أنها تخص المدعي بذاته وتؤثر عليه مباشرة، وأن تكون قابلة للتحقق وليست مجرد وهم أو توقع.
تأصيل هذا المبدأ يعود إلى فقه القانون الروماني الذي كان يرى أن “لا دعوى بدون مصلحة” (Ubi jus ibi remedium, ubi remedium ibi actio, ubi actio ibi interest). وقد تبنته التشريعات الحديثة كشرط أساسي لضمان جدية الخصومة القضائية. فبدون مصلحة، يصبح اللجوء إلى القضاء مجرد عبث أو مضيعة للوقت والجهد على المحاكم، مما يتنافى مع مبادئ العدالة والكفاءة القضائية.
أنواع المصلحة في الدعوى القضائية
تختلف المصلحة من حيث طبيعتها ونطاقها، ويمكن تقسيمها إلى عدة أنواع:
1. المصلحة القائمة والمشروعة
هذا هو النوع الأساسي من المصلحة المطلوبة لقبول الطلبات والدفوع. يجب أن تكون المصلحة *قائمة حالياً، أي أنها موجودة وقت رفع الدعوى أو تقديم الدفع. كما يجب أن تكون *مشروعة، بمعنى أنها لا تخالف النظام العام أو الآداب العامة، وأن يقرها القانون ويحميها. على سبيل المثال، لا تقبل دعوى يطالب فيها شخص بمنفعة غير مشروعة كالمطالبة بثمن مواد مخدرة أو دين قمار.
والمصلحة القائمة والمشروعة تتطلب وجود اعتداء فعلي على حق أو مركز قانوني للمدعي، أو تهديد وشيك لهذا الحق. فمثلاً، من يطالب بتنفيذ عقد يكون له مصلحة قائمة ومشروعة في ذلك، لأن عدم التنفيذ يُعد اعتداءً على حقه في الوفاء بالالتزامات التعاقدية. وكذلك من يطالب بوقف أعمال بناء تضر بملكيته، تكون له مصلحة قائمة ومشروعة في ذلك.
2. المصلحة المحتملة
على الرغم من أن الأصل هو المصلحة القائمة، إلا أن القانون أقر استثناءً هاماً يتعلق بـ المصلحة المحتملة. تكفي المصلحة المحتملة لقبول الطلب أو الدفع في حالتين أساسيتين:
أ. الاحتياط لدفع ضرر محدق
إذا كان الغرض من الطلب أو الدفع هو الاحتياط لدفع ضرر محدق أو وشيك الوقوع، فإن المصلحة المحتملة تكون كافية. يقصد بالضرر المحدق ذلك الضرر الذي لم يقع بعد، ولكنه على وشك الوقوع، أو هناك دلائل قوية تشير إلى احتمالية وقوعه في المستقبل القريب.
مثال: قد يرفع شخص دعوى بطلب وقف أعمال بناء تتم في العقار المجاور إذا كانت هذه الأعمال تشكل خطراً محدقاً بانهيار المبنى الخاص به، حتى لو لم يقع الضرر بعد. هنا، المصلحة هي مصلحة محتملة تتمثل في دفع ضرر وشيك. مثال آخر هو دعوى الإجراءات التحفظية التي تهدف إلى منع إخفاء الأموال أو تهريبها قبل صدور حكم نهائي بالدين.
ب. الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه
الحالة الثانية التي تجيز فيها المصلحة المحتملة قبول الطلب هي عندما يكون الغرض من الطلب هو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه. هذا يعني أن المدعي يخشى أن يفقد الدليل الذي يثبت حقه في المستقبل، مما سيجعل من الصعب عليه إثبات هذا الحق في حال نشوب نزاع فعلي.
مثال: دعوى إثبات الحالة أو المعاينة القضائية. فإذا كان هناك جدار مهدد بالسقوط، ويخشى مالك العقار المجاور أن يؤدي انهياره إلى الإضرار بملكيته، فإنه يمكنه أن يرفع دعوى بطلب إثبات حالة الجدار قبل سقوطه. هنا، لا يوجد نزاع فعلي حول ملكية أو مسؤولية، ولكن هناك خشية من زوال دليل يثبت حالة الجدار في المستقبل إذا ما حدث الضرر، مما سيعيق إثبات المسؤولية لاحقاً.
مثال آخر: يمكن أن يطلب شخص إثبات شهادة شاهد كبير في السن أو مريض بمرض خطير، يخشى وفاته قبل نشوب نزاع حقيقي، حيث قد تكون شهادته حاسمة في إثبات الحق.
أهمية شرط المصلحة في الدعوى القضائية
شرط المصلحة له أهمية قصوى في سير العدالة، ويمكن تلخيص هذه الأهمية في عدة نقاط:
- منع الدعاوى الكيدية والعبثية: يمنع هذا الشرط أي شخص من رفع دعاوى لا طائل منها أو بقصد الإضرار بالغير دون مصلحة حقيقية ومشروعة.
- ترشيد العمل القضائي: يساعد على تركيز جهود المحاكم على النزاعات الجدية التي تتطلب حلاً قضائياً، وبالتالي يقلل من العبء على الجهاز القضائي.
- ضمان جدية الخصومة: يضمن أن أطراف الدعوى لديهم مصلحة حقيقية في النتيجة، مما يشجعهم على تقديم الدفوع والأدلة اللازمة بجدية.
- حماية حقوق الأفراد: يضمن أن من يلجأ إلى القضاء هو من تأثر حقه بالفعل أو مهدد بالضرر، مما يوفر حماية حقيقية للمصالح المشروعة.
- تحقيق العدالة الوقائية: من خلال قبول المصلحة المحتملة في حالات معينة، يتيح القانون للأفراد اتخاذ إجراءات وقائية لمنع وقوع الضرر أو لضمان إثبات الحقوق قبل فوات الأوان، مما يساهم في تحقيق العدالة الوقائية.
علاقة المصلحة بالصفة والأهلية
غالباً ما يتم الخلط بين شرط المصلحة وشرط الصفة في الدعوى القضائية. ولكن على الرغم من ترابطهما، إلا أنهما شرطان منفصلان.
- الصفة: تعني أن المدعي هو صاحب الحق أو المركز القانوني محل النزاع، وأن المدعى عليه هو الملزم بهذا الحق. الصفة هي العلاقة القانونية التي تربط المدعي بالحق المطالب به، والمدعى عليه بالالتزام المقابل.
- المصلحة: هي المنفعة العملية التي تعود على المدعي من الحكم القضائي.
قد يكون للشخص صفة في الدعوى، ولكن لا تكون له مصلحة، والعكس صحيح. على سبيل المثال، قد يكون شخص هو الوارث (الصفة)، لكنه لا يرفع الدعوى التي تعود عليه بمنفعة (المصلحة) لأنه لا يريد ذلك. والعكس، قد يكون للمحامي مصلحة في الدعوى من حيث الأتعاب، لكن ليس له صفة في الحق المتنازع عليه.
أما الأهلية، فهي شرط يتعلق بصلاحية الشخص لمباشرة الإجراءات القضائية بنفسه، أي قدرته على التقاضي. فالقاصر مثلاً ليس لديه أهلية كاملة للتقاضي، ويجب أن يمثله وليه أو وصيه. المصلحة والصفة والأهلية هي شروط تراكمية لقبول الدعوى، ويجب توافرها جميعاً.
دور المحكمة في التحقق من المصلحة
تعتبر مسألة توافر شرط المصلحة من المسائل المتعلقة بالنظام العام، ولذلك يمكن للمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها في أي مرحلة من مراحل الدعوى، حتى لو لم يتمسك بها الخصوم. فإذا تبين للمحكمة أن المدعي ليس له مصلحة في الدعوى، فإنها تقضي بعدم قبولها شكلياً، دون أن تتعرض لموضوع النزاع. وهذا يؤكد على الأهمية البالغة لهذا الشرط في تحديد مصير الدعوى.
يقع عبء إثبات المصلحة على عاتق المدعي، فعليه أن يثبت أن له مصلحة قائمة ومشروعة، أو مصلحة محتملة تندرج تحت الاستثناءات التي يقرها القانون. يجب أن يكون المدعي قادراً على تبيان كيف أن الحكم الذي يطلبه سيعود عليه بمنفعة حقيقية وقانونية.
تطبيقات عملية لشرط المصلحة
نرى تطبيقات شرط المصلحة في العديد من جوانب القانون:
- القانون المدني: في دعاوى المطالبة بالحقوق الشخصية أو العينية، يجب أن يكون للمدعي مصلحة في المطالبة. فالمشتري له مصلحة في المطالبة بتسليم المبيع، والدائن له مصلحة في المطالبة بسداد الدين.
- القانون الإداري: في دعاوى الإلغاء، يجب أن يكون لصاحب الطعن مصلحة شخصية ومباشرة في إلغاء القرار الإداري المطعون فيه، أي أن القرار أثر فيه سلباً.
- القانون الجنائي: في الدعوى المدنية التبعية التي ترفع أمام المحكمة الجنائية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن الجريمة، يجب أن يكون للمدعي بالحق المدني مصلحة في التعويض، وأن يكون الضرر الذي أصابه ناتجاً مباشرة عن الجريمة.
- قانون الأحوال الشخصية: في دعاوى الحضانة أو النفقة، يجب أن يكون للطرف الذي يطالب بها مصلحة فيها.
الخلاصة
إن مبدأ “لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة ومشروعة يقرها القانون” هو حجر الزاوية في نظرية الدعوى القضائية. يضمن هذا المبدأ أن القضاء لا يُشغل إلا بالنزاعات الجادة والمؤثرة، ويمنع إساءة استخدام حق التقاضي. الاستثناءات التي تقرها القاعدة بشأن المصلحة المحتملة في دفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله، تبرز مرونة القانون وقدرته على تحقيق العدالة الوقائية وحماية الحقوق قبل فوات الأوان. إن فهم هذا المبدأ وتطبيقاته يعد أمراً أساسياً لكل من يطمح إلى ممارسة العمل القانوني أو اللجوء إلى القضاء.
التعويض عن الفعل الضار في القانون المدني العماني: دراسة تحليلية في ضوء أحكام القضاء
استشارات قانونية في سلطنة عمان | محامون متخصصون أونلاين
“شرح أحكام الحضانة في قانون الأحوال الشخصية العماني”
حماية المستهلك في سلطنة عُمان: دليلك الشامل لحماية حقوقك في السوق العماني 2025
القوة التنفيذية لعقود الإيجار في سلطنة عمان: التسجيل، السريان والآثار القانونية
رفع دعوى المطالبة بالنفقة على الزوج في القانون العماني: حماية حقوق الزوجة وأسسها القانونية
https://qanoon.om/p/2002/rd2002029/