المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية


 

قانون التجارة العُماني: نظرة شاملة وتأملات قانونية من منظور محكم ومحامٍ

 

بصفتي محاميًا ومحكمًا، يوسف الخضوري، أجد أن قانون التجارة العُماني هو محور أساسي في فهم ديناميكية الأعمال التجارية في سلطنة عُمان. هذا القانون، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 55/90 والمعدل لاحقًا بالمرسوم السلطاني رقم 53/2019، لا يمثل مجرد مجموعة من النصوص القانونية، بل هو الإطار الشامل الذي يضمن العدالة والاستقرار في المعاملات التجارية. يهدف القانون إلى تنظيم الأنشطة التجارية بشتى صورها، وتحديد الحقوق والالتزامات لكل من التجار والمستهلكين، مما يسهم في خلق بيئة تجارية جاذبة وموثوقة.


 

تعريف الأعمال التجارية: توسع في الفهم القانوني

 

تُشكل المادة 10 من قانون التجارة العُماني حجر الزاوية في تحديد ما يُعد عملًا تجاريًا. إنها لا تقتصر على سرد الأنشطة فحسب، بل تمتد لتشمل جميع الأعمال المتعلقة بالملاحة البحرية والجوية. هذا التحديد الواسع يعكس فهمًا عميقًا للطبيعة الديناميكية للتجارة الحديثة. عندما نتحدث عن إنشاء السفن والطائرات، وبيعها وشرائها وإيجارها واستئجارها وإصلاحها، فإننا نتناول قطاعًا حيويًا تتطلب معاملاته تنظيمًا دقيقًا لحماية جميع الأطراف المعنية.

الإقراض والاستقراض: هذه العمليات تُعتبر شريان الحياة للتمويل التجاري. إنها ليست مجرد اتفاقيات مالية بسيطة، بل هي أدوات أساسية لضمان تدفق السيولة اللازمة لدعم الأنشطة التجارية المختلفة، سواء كانت استثمارات رأسمالية كبيرة أو تمويلًا لعمليات يومية. يشمل هذا التعريف أيضًا عقود الرهن التجاري والقروض المضمونة بضمانات تجارية، والتي تُعد ضرورية لتشجيع الاستثمار وتأمين المعاملات.

النقليات البحرية والجوية: يتسع مفهوم الأعمال التجارية ليشمل كل ما يتعلق بعمليات الشراء والبيع للوازم الضرورية لتشغيل هذه النقليات. من مهمات وأدوات وذخائر ووقود، إلى حبال وأشرعة ومؤن ومواد تموين الطائرات، كل هذه الأنشطة تُعد جزءًا لا يتجزأ من العملية التجارية الكبرى. هذا التفصيل الدقيق يضمن أن جميع الجوانب اللوجستية والتشغيلية في هذا القطاع تقع ضمن الإطار القانوني التجاري، مما يوفر حماية قانونية للموردين والمشغلين على حد سواء.

التأمين البحري والجوي: لا يمكن الحديث عن الملاحة دون ذكر التأمين. يُعد هذا النوع من التأمين ضروريًا لحماية الاستثمارات الضخمة المرتبطة بالملاحة البحرية والجوية. فهو يوفر شبكة أمان ضد المخاطر المحتملة، من حوادث وأضرار، ويشجع على استمرارية النشاط التجاري دون مخاوف مبالغ فيها. من منظور التحكيم، تُعتبر نزاعات التأمين التجاري من القضايا المعقدة التي تتطلب فهمًا عميقًا للقانون والعرف التجاري.


 

الأعمال المرتبطة بالمعاملات التجارية: مفهوم التبعية

 

توضح المادة 11 من قانون التجارة العُماني مبدأ “التبعية التجارية”، وهو مفهوم بالغ الأهمية. فبموجب هذه المادة، تُعتبر جميع الأعمال المرتبطة بالمعاملات التجارية المذكورة في المواد السابقة أو التي تسهل هذه المعاملات، أعمالًا تجارية. هذا يعني أن الأنشطة المساندة أو المكملة للأعمال التجارية الأساسية تُكتسب الصفة التجارية بالتبعية. على سبيل المثال، إذا كانت شركة نقل بحري هي شركة تجارية، فإن عقد صيانة أسطولها يُعد عملًا تجاريًا، حتى لو كانت الشركة التي تقوم بالصيانة لا تُعد في الأساس شركة تجارية مستقلة.

الأكثر أهمية هو أن جميع الأعمال التي يقوم بها التاجر لحاجات تجارية تُعتبر تجارية أيضًا. هذا النص يوسع نطاق تطبيق القانون ليشمل كل ما يقوم به التاجر لدعم نشاطه التجاري الرئيسي، مما يعزز الحماية القانونية للتجار ويُحدد إطارًا واضحًا لالتزاماتهم وحقوقهم.


 

عقود التاجر والتزاماته: افتراض الطابع التجاري

 

تشير المادة 12 إلى مبدأ أساسي في قانون التجارة العُماني: الأصل في عقود التاجر والتزاماته أن تكون تجارية، ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك. هذا الافتراض القانوني يقلب عبء الإثبات على من يدعي غير ذلك، مما يسهل المعاملات التجارية ويوفر وضوحًا في التطبيق. ففي حالة النزاع، يُفترض أن العقد تجاري، وبالتالي تخضع أحكامه للقانون التجاري ما لم يثبت أحد الأطراف أنه عقد مدني.

العقود التجارية بين الأطراف المختلفة: المادة 13 تعالج سيناريو شائع في الحياة التجارية: ما إذا كان العقد تجاريًا بالنسبة لأحد المتعاقدين دون الآخر. هنا، ينص القانون بوضوح على أن أحكام قانون التجارة تسري على التزامات كل منهما الناشئة عن هذا العقد، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك. هذا يُظهر حرص القانون على توفير الحماية القانونية للطرفين والمحافظة على التوازن في العلاقات التجارية، حتى لو كانت طبيعة العلاقة مختلفة بين الطرفين. هذا المبدأ ضروري في التحكيم التجاري لضمان تطبيق العدالة بغض النظر عن طبيعة الأطراف.


 

الأعمال غير التجارية: حدود النشاط التجاري

 

على الرغم من أن القانون يُحدد العديد من الأنشطة كأعمال تجارية، فإنه يستثني بعض الأنشطة بشكل صريح، مؤكدًا على التمييز بين الأنشطة التجارية والأنشطة المدنية أو الفنية. وفقًا للمادة 14، لا يُعتبر عملًا تجاريًا إنتاج الفنان لعمل فني بنفسه أو باستخدامه عمالًا وبيعه، وكذلك طبع المؤلف لمؤلفه وبيعه. هذا التمييز يحمي الإبداع الفني والأدبي من الوقوع تحت طائلة الأحكام التجارية الصارمة التي قد لا تتناسب مع طبيعة هذه الأنشطة.

الأنشطة الزراعية: المادة 15 تُوضح أن بيع المزارع للحاصلات الناتجة من الأرض المملوكة له أو التي يزرعها، حتى بعد تحويلها بالوسائل المتاحة له في استغلاله الزراعي، لا يُعتبر عملًا تجاريًا. يُظهر هذا النص اهتمام القانون بفصل النشاط الزراعي عن النشاط التجاري التقليدي، مما يعزز من حماية المزارعين ويدعم الاقتصاد الزراعي المحلي. الهدف هو تشجيع الزراعة دون إخضاع المزارعين لنفس الالتزامات القانونية التي تنطبق على التجار، مع التركيز على طبيعة النشاط الزراعي كإنتاج أساسي وليس مجرد تداول للسلع.


 

تأثير التعديلات على قانون التجارة: مواكبة التطورات العالمية

 

شهد قانون التجارة العُماني عدة تعديلات حيوية، أبرزها تلك التي صدرت بموجب المرسوم السلطاني رقم 53/2019. هذه التعديلات لا تمثل مجرد تحديثات شكلية، بل هي خطوة استراتيجية نحو تعزيز البيئة التجارية في السلطنة ومواكبة التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية. بصفتي محكمًا، أرى أن هذه التعديلات تُعد ضرورية لخلق بيئة قانونية تدعم الابتكار وتُسهل من عملية ممارسة الأعمال التجارية، مما يجعل عُمان مركزًا جاذبًا للاستثمار.

التحديثات والتغييرات الرئيسية:

  • تسهيل الإجراءات: ركزت التعديلات على تبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتسجيلها. هذا التبسيط يقلل من البيروقراطية ويحفز على جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما يعزز من تنافسية السوق العُماني.

  • دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة (SMEs): يُعتبر دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة جزءًا أساسيًا من رؤية السلطنة لتعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل. لقد شملت التعديلات إجراءات تدعم هذه الفئة من الأعمال التجارية، مثل تسهيل الحصول على التمويل والحوافز الضريبية، مما يضمن نموها وازدهارها.

  • التحول الرقمي: في ظل التوجه العالمي نحو الرقمنة، تُعتبر التعديلات جزءًا من استراتيجية السلطنة لتعزيز التحول الرقمي في القطاع التجاري. هذا يشمل الاعتراف بالمعاملات الإلكترونية والتوقيعات الرقمية، مما يُسهل من عمليات التجارة الإلكترونية ويدعم الابتكار في هذا المجال.


 

الخلاصة: دور قانون التجارة العُماني في تعزيز بيئة الأعمال

 

 

إن قانون التجارة العُماني بمثابة الإطار القانوني الذي يُنظم العلاقات التجارية في السلطنة ويضمن استقرارها. من خلال تحديد الأعمال التجارية بدقة، وتوضيح العقود والالتزامات، وتطبيق التعديلات الحديثة، يُساهم القانون في خلق بيئة تجارية متوازنة ومستقرة. بصفته محامياً ومحكماً، أرى أن هذا القانون يعكس التزام السلطنة بتوفير نظام قانوني قوي يدعم النمو الاقتصادي ويحمي حقوق جميع الأطراف المعنية. ومع استمرار تحديث القانون واستجابته للتغيرات العالمية، يظل قانون التجارة العُماني عنصرًا حيويًا في تعزيز الاقتصاد الوطني ودعم التنمية المستدامة في سلطنة عُمان.

قانون التجارة العماني

مقالي

الاعمال المرتبطة بالاعمال التجارية

عقود التاجر والتزاماته: افتراض الطابع التجاري

الأعمال غير التجارية: حدود النشاط التجاري

تأثير التعديلات على قانون التجارة: مواكبة التطورات العالمية

الخلاصة: دور قانون التجارة العُماني في تعزيز بيئة

الأعمال