المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

⚖️ الحضانة في النظام السعودي: تحليل المادتين (124) و (125) وشروط الحاضن

بقلم: المحامي يوسف الخضوري

شهدت المملكة العربية السعودية إصلاحات تشريعية عميقة كان نظام الأحوال الشخصية أحد أبرزها، حيث جاء هذا النظام ليؤصل الأحكام الشرعية وينظمها في نصوص واضحة تضمن استقرار الأسرة وتحقيق مصالح الأفراد. ومن أهم الأبواب التي نالت اهتماماً خاصاً كان باب “الحضانة”، الذي يعتبر حجر الزاوية في حماية ورعاية الأبناء بعد انفصال الوالدين.

في هذا المقال، سنتعمق في تحليل المادتين (124) و (125) من نظام الأحوال الشخصية السعودي، اللتين ترسمان الإطار العام والخاص لمفهوم الحضانة وشروط الحاضن، مستعرضين دلالاتهما القانونية والتطبيق العملي لهما.


 

أولاً: الحضانة تعريفاً وغرضاً – تحليل المادة (124)

 

تنص المادة الرابعة والعشرون بعد المائة (124) من نظام الأحوال الشخصية السعودي على:

“الحضانة هي حفظ من لا يستقل بنفسه عما يضره، وتربيته والقيام على مصالحه بما في ذلك التعليم والعلاج.”

إن هذا النص القانوني لم يكتفِ بوضع تعريف أكاديمي للحضانة، بل جسّد الرؤية النظامية العميقة لغرضها الأساسي، وهو مصلحة المحضون الفضلى.

 

أ. الجانب الوقائي: “حفظ من لا يستقل بنفسه عما يضره”

 

يشير هذا الجزء من التعريف إلى الدور الوقائي للحضانة. فالطفل (المحضون) هو شخص غير مميز وغير قادر على إدارة شؤونه بشكل مستقل حتى بلوغ سن معينة. الحضانة هنا هي درع الحماية الذي يمنعه من التعرض للمخاطر المادية أو المعنوية أو النفسية.

الدلالة: يترتب على هذا أن أي وضع أو بيئة يُثبت قضائياً أنها قد تُعرض المحضون للضرر (سواء كان ضرراً جسدياً، كمسكن غير آمن، أو ضرراً نفسياً، كبيئة عائلية مضطربة جداً) يمكن أن يكون سبباً مباشراً لنزع الحضانة، حتى لو كان الحاضن هو الطرف الأحق بها نظامياً.

 

ب. الجانب التنموي: “وتربيته والقيام على مصالحه”

 

هذا هو الجانب الإيجابي والنشط من الحضانة. فالغرض ليس مجرد “الحفظ المادي” للطفل، بل يشمل:

  1. التربية: غرس القيم والأخلاق والمبادئ التي تتوافق مع ثقافة المجتمع.

  2. القيام على المصالح: وهو مفهوم واسع يشمل توفير الحاجات الأساسية والكمالية التي تضمن حياة كريمة وسوية للمحضون.

 

ج. الجانب الإلزامي: “بما في ذلك التعليم والعلاج”

 

من خلال النص الصريح على “التعليم والعلاج”، يؤكد النظام على أن هذين الجانبين ليسا مجرد خيار، بل هما التزام أساسي على الحاضن. يجب على الحاضن أن يضمن حصول المحضون على تعليم مناسب وعلى رعاية صحية كاملة. هذا يربط التزام الحاضن بالتزامات الإنفاق والنفقة المترتبة على ولي الأمر مالياً.

التحليل: هذا التعريف الشامل يؤكد أن المحكمة في قضايا الحضانة لا تنظر فقط إلى الترتيب النظامي للأحقية، بل تنظر أولاً وأخيراً إلى مدى قدرة الحاضن على تحقيق هذا التعريف بأركانه الثلاثة (الحفظ، التربية، وتوفير المصالح الأساسية).


 

ثانياً: شروط الحاضن – تحليل المادة (125)

 

تنص المادة الخامسة والعشرون بعد المائة (125) من نظام الأحوال الشخصية السعودي على:

“يشترط أن تتوافر في شروط الحاضن الآتية: 1. كمال الأهلية. 2. القدرة على تربية المحضون وحفظه ورعايته. 3. السلامة من الأمراض المعدية الخطيرة.”

تضع هذه المادة ثلاثة شروط أساسية لا بد من توافرها في أي شخص يتولى مسؤولية الحضانة، وهي شروط تهدف إلى تحقيق سلامة المحضون العقلية والجسدية والنفسية.

 

1. كمال الأهلية (العقل والإدراك)

 

يشترط في الحاضن أن يكون كامل الأهلية، أي بالغاً وعاقلاً.

الدلالة القانونية:

  • البلوغ: لا يمكن للصغير أو القاصر أن يكون مسؤولاً عن حضانة غيره.

  • العقل: يُستبعد من الحضانة كل من يعاني من جنون أو عته أو اضطرابات عقلية حادة تمنعه من الإدراك الكامل لمسؤولياته.

  • الأثر العملي: هذا الشرط يضمن أن الحاضن لديه القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة المتعلقة بالتربية والتعليم والتصرف السليم في المواقف التي تخص المحضون.

 

2. القدرة على تربية المحضون وحفظه ورعايته (القدرة البدنية والنفسية)

 

هذا الشرط هو الأوسع والأكثر مرونة في التقييم القضائي، ويتعلق بالقدرة الفعلية والمادية للحاضن.

ماذا تشمل القدرة؟

  • القدرة البدنية: أن يكون الحاضن قادراً جسدياً على العناية بالطفل، خصوصاً في المراحل العمرية المبكرة.

  • القدرة النفسية والسلوكية: سلامة الحاضن من الانحرافات الأخلاقية أو السلوكية أو الإدمان، وأن يكون ذا سلوك مستقيم.

  • القدرة الزمنية والاهتمام: أن يكون لديه الوقت الكافي لتوفير الرعاية اليومية اللازمة. لا يكفي أن يكون قادراً مالياً، بل يجب أن يكون قادراً على توفير الرعاية الشخصية.

التقييم القضائي (المحامي يوسف الخضوري): يتم تقييم هذا الشرط من قبل المحكمة بناءً على البينات والتقارير المقدمة، وقد تستعين المحكمة بتقارير اجتماعية ونفسية لتحديد ما إذا كانت البيئة التي يوفرها الحاضن تحقق مصلحة المحضون الفضلى.

 

3. السلامة من الأمراض المعدية الخطيرة (الصحة العامة)

 

هذا الشرط يهدف إلى حماية المحضون من أي خطر صحي مباشر.

الدلالة: يُشترط أن يكون الحاضن سليماً من أي أمراض قد تُعدي المحضون أو تعيقه عن القيام بمهام الحضانة بشكل كامل. هذا الشرط يُظهر اهتمام النظام بالسلامة الصحية والبيئية للطفل.

تنبيه هام: المرض العادي أو المزمن الذي لا يعيق الرعاية ولا ينتقل بالعدوى لا يسقط حق الحضانة. القرار يعتمد على تقدير المحكمة لـ مدى خطورة المرض وتأثيره المباشر على رعاية المحضون.


 

ثالثاً: أهمية هذه المواد لمصلحة المحضون الفضلى

 

إن نظام الأحوال الشخصية، من خلال المادتين (124) و (125)، يرسخ مبدأ أن الحضانة ليست “حقاً” شخصياً خالصاً للوالدين، بل هي واجب ومسؤولية قانونية تجاه المحضون.

نصيحتي كمحامٍ يوسف الخضوري: عند إعداد ملفات قضايا الحضانة، يجب التركيز على تبيان مدى توافر أو انعدام هذه الشروط في الطرف الآخر. فالحجة القوية ليست في تكرار أحقية الأم أو الأب نظامياً، بل في إثبات أن الطرف المطالب بالحضانة هو من يجسد فعلياً التعريف الوارد في المادة (124) ويستوفي الشروط الجوهرية الواردة في المادة (125). إن مفتاح الحضانة يكمن في إثبات “القدرة” و “الصلاحية” لضمان مستقبل سليم للطفل.

إن النظام السعودي يضع بذلك أسساً متينة تجعل مصلحة الطفل هي البوصلة الرئيسية التي توجه كل قرار قضائي في قضايا الأحوال الشخصية.

“لا تفوّت القراءة: مقالات متخصصة ذات صلة مباشرة.” 

نظام الحضانة السعودي الجديد (المادة 127): الأم أولاً ومبدأ “مصلحة المحضون فوق الجميع”

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *