المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

بقلم: المحامي والمحكم يوسف الخضوري

مقدمة

تُعد جريمة إساءة الأمانة من الجرائم الهامة التي تُمس بشكل مباشر الثقة بين الأفراد في تعاملاتهم المالية والمنقولة. لقد أولى المشرع العماني اهتمامًا خاصًا لهذه الجريمة، مفصلاً أحكامها في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٧/ ٢٠١٨م، وذلك بهدف حماية الأموال والحقوق ومنع التعدي عليها من قبل المؤتمنين. يتناول هذا المقال بالتحليل المادتين (٣٦٠) و (٣٦١) من قانون الجزاء، موضحًا أركانهما، شروط الإدانة، والعقوبات المقررة لكل منهما، مع إبراز الفروقات الجوهرية بينهما.


 

إساءة الأمانة في المادة (٣٦٠): جريمة الاعتداء على الثقة

 

تُشكل المادة (٣٦٠) من قانون الجزاء العماني الركيزة الأساسية لجريمة إساءة الأمانة بمعناها التقليدي، حيث تُعالج حالات خيانة الثقة التي تُمنح لشخص على مال معين. تنص المادة على ما يلي:

يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٣) ثلاثة أشهر، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن (٣٠٠) ثلاثمائة ريال عماني، ولا تزيد على (١٠٠٠) ألف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من سلم إليه نقد أو أي منقول آخر على وجه الإعارة أو الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو الرهن أو اؤتمن عليه بأي وجه كان، فأقدم على كتمه أو إنكاره أو اختلاسه أو تبديده أو إتلافه.

لفهم هذه المادة، يجب تفكيك أركان الجريمة وشروطها:

 

١. الركن المادي للجريمة: التسليم والتصرف العدواني

 

أ. التسليم: الشرط الأساسي لتطبيق هذه المادة هو أن يكون المال (نقد أو أي منقول آخر) قد سُلم إلى الجاني بموجب عقد من عقود الأمانة. وقد ذكرت المادة هذه العقود على سبيل المثال، وهي:

  • الإعارة: تسليم الشيء للغير لاستعماله ثم رده.

  • الوديعة: تسليم الشيء لحفظه ثم رده.

  • الوكالة: تفويض شخص بالتصرف في مال نيابة عن الموكل.

  • الإجارة: تسليم الشيء للانتفاع به مقابل أجرة.

  • الرهن: تسليم الشيء لضمان دين.

الأهم في هذا السياق هو عبارة “أو اؤتمن عليه بأي وجه كان“، والتي تُوسع من نطاق العقود لتشمل أي علاقة قانونية تُنشئ “يد أمانة” على المال. بمعنى أن يد الجاني على المال يجب أن تكون يد حيازة ناقصة أو عرضية وليست يد تملك، وأن يكون ملزمًا برد المال أو استعماله في غرض محدد لصاحبه.

ب. التصرف العدواني (الخيانة): بعد تسليم المال على وجه الأمانة، يجب أن يقوم الجاني بأحد الأفعال التالية، والتي تُعبر عن خيانته للأمانة:

  • الكتم: إخفاء المال عن صاحبه، أو عدم الإفصاح عن وجوده أو مكانه.

  • الإنكار: جحود حق المالك في المال، والادعاء بملكيته أو عدم وجود المال أصلاً.

  • الاختلاس: الاستيلاء على المال المملوك للغير، وتحويل حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة بقصد التملك. يُعد هذا من أبرز صور إساءة الأمانة.

  • التبديد: التصرف في المال تصرف المالك الذي يُفقده قيمته أو يُصعب رده، كأن يقوم ببيعه أو استهلاكه أو صرفه في غير الغرض المخصص له.

  • الإتلاف: إهلاك المال كليًا أو جزئيًا، مما يُفقده وظيفته أو قيمته، وهو ما يُعد صورة بالغة من صور خيانة الأمانة.

 

٢. الركن المعنوي للجريمة: القصد الجنائي

 

يُشترط في جريمة إساءة الأمانة وفقًا للمادة (٣٦٠) توافر القصد الجنائي العام لدى الجاني. أي يجب أن يعلم الجاني بأن المال الذي في حوزته هو مملوك للغير وقد سُلم إليه على سبيل الأمانة، وأن إقدامه على أي من الأفعال المذكورة (كتم، إنكار، اختلاس، تبديد، إتلاف) يُعد خيانة لهذه الأمانة. كما يجب أن تتجه إرادته إلى ارتكاب هذه الأفعال بنية حرمان المالك من ماله أو حقه فيه. لا يُعاقب على مجرد الإهمال أو التقصير غير المتعمد.

 

٣. العقوبات المقررة

 

تُحدد المادة (٣٦٠) عقوبات واضحة وصارمة لمن يرتكب هذه الجريمة، وهي:

  • السجن: مدة لا تقل عن (٣) ثلاثة أشهر، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات.

  • الغرامة: لا تقل عن (٣٠٠) ثلاثمائة ريال عماني، ولا تزيد على (١٠٠٠) ألف ريال عماني.

  • أو بإحدى هاتين العقوبتين: مما يمنح القاضي سلطة تقديرية في اختيار العقوبة الأنسب بناءً على ظروف وملابسات الجريمة.

تُظهر هذه العقوبات أن المشرع يُنظر إلى جريمة إساءة الأمانة كفعل يمس استقرار المعاملات والثقة المجتمعية، ويُوجب ردع مرتكبيه.


 

إساءة الأمانة في المادة (٣٦١): جريمة العثور على مال ضائع ورفض رده

 

تُعالج المادة (٣٦١) من قانون الجزاء حالة خاصة من إساءة الأمانة، تختلف عن الصورة التقليدية في المادة (٣٦٠) من حيث طريقة وصول المال إلى حيازة الجاني. تنص المادة على:

يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (٣٠٠) ثلاثمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عثر على مال ضائع، ورفض رده إلى صاحبه.

 

١. الركن المادي للجريمة: العثور ورفض الرد

 

أ. العثور على مال ضائع: يختلف هذا الركن بشكل جذري عن التسليم الاختياري في المادة (٣٦٠). ففي هذه الحالة، يصل المال إلى حيازة الجاني عن طريق العثور عليه بعد أن يكون قد ضاع من صاحبه. وهذا يعني أن المالك فقد حيازته للشيء دون أن يقصده، وأن العثور عليه كان مصادفة من قبل الجاني.

ب. رفض الرد إلى صاحبه: بعد العثور على المال، يجب أن يُقدم الجاني على رفض رده إلى صاحبه، وهذا يتضمن معرفة الجاني بوجود مالك للمال الضائع وقدرته على رده إليه، ومع ذلك يتعمد عدم الرد. قد يكون الرفض صريحًا، أو ضمنيًا من خلال الاستمرار في حيازة المال مع علمه بمالكه.

 

٢. الركن المعنوي للجريمة: القصد الجنائي

 

يتطلب هذا الركن معرفة الجاني بأن المال الذي عثر عليه هو مال ضائع وليس مملوكًا له، وأن هناك مالكًا محددًا يمكن رد المال إليه، ومع ذلك تتجه إرادته إلى حرمان المالك من ماله عن طريق رفض رده. النية هنا هي الاحتفاظ بالمال رغم علمه بملكية الغير له.

 

٣. العقوبات المقررة

 

تُحدد المادة (٣٦١) عقوبات أقل حدة مقارنة بالمادة (٣٦٠)، مما يعكس اختلاف درجة جسامة الفعل من وجهة نظر المشرع:

  • السجن: مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنة.

  • الغرامة: لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (٣٠٠) ثلاثمائة ريال عماني.

  • أو بإحدى هاتين العقوبتين.


 

الفروقات الجوهرية بين المادتين (٣٦٠) و (٣٦١)

 

يكمن الفارق الأساسي بين المادتين في طريقة وصول المال إلى حيازة الجاني:

  • المادة (٣٦٠): تفترض وجود علاقة ثقة مسبقة بين المالك والجاني، حيث قام المالك بتسليم المال للجاني بموجب عقد أمانة (إعارة، وديعة، وكالة، إجارة، رهن، أو ما شابه). الجريمة هنا هي خيانة الأمانة التي نشأت عن هذه العلاقة. العقوبة في هذه المادة أشد، نظرًا لانتهاك الثقة الممنوحة صراحةً.

  • المادة (٣٦١): لا تفترض وجود علاقة سابقة أو تسليم اختياري من المالك. المال وصل إلى حيازة الجاني عن طريق العثور عليه بعد أن كان ضائعًا. الجريمة هنا هي الامتناع عن أداء واجب أخلاقي وقانوني برد المال الضائع إلى صاحبه بعد العثور عليه. العقوبة أخف نسبيًا، لأن الفعل لا ينطوي على خيانة ثقة مباشرة مُسبقة.


 

الخلاصة

 

تُظهر المادتان (٣٦٠) و (٣٦١) من قانون الجزاء العماني شمولية المشرع في التعامل مع جريمة إساءة الأمانة، من خلال تغطية صورها المختلفة سواء التي تنشأ عن علاقة تعاقدية قائمة على الثقة المباشرة، أو تلك التي تنجم عن التغافل عن واجب رد المال الضائع. يُعد هذا التمييز التشريعي مهمًا لضمان تطبيق العدالة وتقدير جسامة كل فعل بما يتناسب مع طبيعته.

إن فهم هذه النصوص القانونية ليس فقط ضروريًا للمختصين في القانون، بل لكل فرد في المجتمع لكي يكون على وعي بحقوقه وواجباته تجاه أموال الغير، ولتعزيز مبدأ الأمانة والنزاهة في التعاملات اليومية.

قانون الجزء العماني

قانون الاجراءات الجزائية

“الطعن 165/2020م: اجتهاد المحكمة العليا الدائرة الجزائية وأثره على حقوق الدفاع”

مبدأ المحكمة العليا العمانية في إساءة الأمانة: الطعن رقم ٧٩٥/ ٢٠١٩م

الطعن رقم ٥٩١ / ٢٠١٩م: تحليل قانوني معمق في أركان الاشتراك الجنائي

أهمية المذكرات القانونية في كسب القضايا: كيف تُعزز فرص النجاح القانوني وتدعم الدفاع بقوة

شروط التعويض في القانون العُماني: دليلك لحماية الحقوق القانونية

الفعل الضار في القانون العماني: دراسة تحليلية معمقة مع التركيز على المسؤولية والتعويض

التعويض عن الفعل الضار في القانون المدني العماني: دراسة تحليلية في ضوء أحكام القضاء

مبدأ المحكمة العليا العمانية في إساءة الأمانة: الطعن رقم ٧٩٥/ ٢٠١٩م