المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

يُعدّ التعويض أحد الركائز الأساسية التي تضمن حماية الحقوق وصون العدالة في أي نظام قانوني. فهو الآلية التي يلجأ إليها المتضررون لجبر الأضرار التي لحقت بهم، سواء كانت مادية أو معنوية، نتيجة لفعل ضار ارتكبه الغير. في القانون العُماني، يولي المشرّع أهمية قصوى لمبدأ التعويض، وقد نصت العديد من مواده على الأحكام التفصيلية المتعلقة به، وخاصة في قانون المعاملات المدنية العُماني. يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل حول شروط التعويض في القانون العُماني، مع التركيز على مفهوم الفعل الضار والأحكام العامة المتعلقة به، مستندين إلى المادة (176) من قانون المعاملات المدنية العُماني، والتي تُعدّ نقطة انطلاق لفهم هذا الجانب الحيوي من القانون.

مفهوم التعويض في القانون العُماني

التعويض في جوهره هو إلزام قانوني يقع على عاتق من أحدث ضررًا للغير بتعويض المتضرر عن هذا الضرر. لا يقتصر التعويض على الجانب المادي البحت، بل قد يشمل أيضًا الأضرار المعنوية كالألم النفسي أو فقدان السمعة. يهدف التعويض إلى إعادة المتضرر إلى الوضع الذي كان عليه قبل وقوع الضرر قدر الإمكان، أو على الأقل تقديم ما يعادل الخسارة التي تكبدها. يرتكز هذا المفهوم على مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”، وهو مبدأ إسلامي أصيل تم تضمينه في صلب التشريعات العُمانية.

الفعل الضار: أساس المطالبة بالتعويض

يُعدّ الفعل الضار هو الشرط الجوهري والأول للمطالبة بالتعويض. فبدونه، لا يمكن الحديث عن أي التزام بالتعويض. يعرف الفقهاء القانونيون الفعل الضار بأنه كل عمل أو امتناع يترتب عليه إحداث ضرر للغير. وقد نصت المادة (176) من قانون المعاملات المدنية العُماني صراحة على هذا المبدأ في الفرع الأول – أحكام عامة*، حيث جاء فيها:

المادة (176)
1 – كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بالتعويض.
2 – إذا كان الإضرار بالمباشرة لزم التعويض وإن لم يتعد، وإذا كان بالتسبب فيشترط التعدي.”

تُبرز هذه المادة عدة نقاط محورية حول الفعل الضار وأساس التعويض:

أ. إلزامية التعويض بغض النظر عن الأهلية (ولو كان غير مميز)

النقطة الأولى في المادة (176) تؤكد أن كل إضرار بالغير يلزم فاعله بالتعويض ولو كان غير مميز. هذا يعني أن مسؤولية التعويض عن الضرر لا ترتبط بوعي الفاعل أو قدرته على التمييز. فإذا أحدث شخص غير مميز (كالصغير أو المجنون) ضررًا للغير، فإن مسؤوليته عن تعويض هذا الضرر قائمة. هذا المبدأ يهدف إلى حماية حقوق المتضررين، ويضمن أن لا يبقى الضرر دون جبر لمجرد أن الفاعل يفتقر إلى الأهلية القانونية الكاملة. في هذه الحالات، غالبًا ما يتحمل المسؤولية القانونية من يقع تحت ولايته أو وصايته، أو يتحمل التعويض من أمواله إن وجدت.

 ب. التمييز بين الإضرار بالمباشرة والإضرار بالتسبب

النقطة الثانية من المادة (176) تُفرّق بوضوح بين نوعين من الفعل الضار: *الإضرار بالمباشرة* و*الإضرار بالتسبب*. هذا التمييز بالغ الأهمية في تحديد شروط التعويض:

الإضرار بالمباشرة: “إذا كان الإضرار بالمباشرة لزم التعويض وإن لم يتعد”. يقصد بالإضرار بالمباشرة أن يكون الفعل الضار قد أحدث الضرر بشكل مباشر ومباشر، دون وسيط أو تدخل عوامل أخرى. مثال على ذلك: قيام شخص بصدم سيارة أخرى عمدًا أو إهمالاً. في هذه الحالة، يكون الضرر نتيجة مباشرة للفعل. الشرط هنا هو حدوث الضرر بشكل مباشر، ولا يُشترط أن يكون الفاعل قد “تعدى” (أي ارتكب خطأ أو تقصيرًا) بالمعنى الدقيق، فمجرد الفعل المباشر الذي أحدث الضرر يُلزم بالتعويض. هذا يُبرز مبدأ المسؤولية الموضوعية في بعض الحالات، حيث يكفي إثبات الضرر والعلاقة السببية المباشرة بين الفعل والضرر.

 

الإضرار بالتسبب: “وإذا كان بالتسبب فيشترط التعدي”. يقصد بالإضرار بالتسبب أن يكون الفعل الضار قد أحدث الضرر بطريقة غير مباشرة، أي كان سببًا لوقوع الضرر من خلال سلسلة من الأحداث أو العوامل. مثال على ذلك: قيام شخص بإلقاء زيت على الأرض، مما أدى إلى انزلاق شخص آخر وسقوطه وإصابته. هنا، الفعل (إلقاء الزيت) ليس هو السبب المباشر للإصابة، بل هو سبب غير مباشر أدى إلى الانزلاق ثم الإصابة. في هذه الحالة، يُشترط لوجوب التعويض أن يكون الفاعل قد “تعدى”، أي ارتكب خطأ أو إهمالًا أو تقصيرًا يمكن إسناده إليه. هذا يعني أن مجرد التسبب في الضرر لا يكفي، بل يجب أن يكون هناك خطأ من جانب الفاعل.

 

أركان المسؤولية التقصيرية الموجبة للتعويض

بالإضافة إلى الفعل الضار، تتطلب المسؤولية التقصيرية في القانون العُماني، والتي ينشأ عنها الحق في التعويض، توافر ثلاثة أركان أساسية:

1. الضرر: هو الأثر السلبي الذي يصيب المتضرر نتيجة للفعل الضار. قد يكون الضرر ماديًا (مثل الخسائر المالية، الأضرار بالممتلكات، تكاليف العلاج) أو معنويًا (مثل الألم النفسي، فقدان السمعة، التشويه). يجب أن يكون الضرر محققًا، أي وقع فعلاً أو من المؤكد وقوعه في المستقبل، وأن يكون مباشرًا، أي ناتجًا بشكل مباشر عن الفعل الضار.

2. العلاقة السببية: وهي الرابط بين الفعل الضار والضرر الحاصل. بمعنى آخر، يجب أن يكون الضرر قد نتج فعلاً عن الفعل الضار، وأن لا يكون هناك سبب آخر مستقل تمامًا عن هذا الفعل قد أدى إلى الضرر. تُعدّ العلاقة السببية ركنًا أساسيًا، فإذا انقطعت هذه العلاقة (بفعل قوة قاهرة، أو خطأ المتضرر، أو خطأ الغير)، انتفت المسؤولية عن الفاعل الأصلي.

3. الخطأ (في حالة التسبب): كما ذكرت المادة (176) بوضوح، يُشترط وجود الخطأ (التعدي) في حالة الإضرار بالتسبب. الخطأ هنا يعني الإخلال بواجب قانوني أو واجب الحيطة والحذر الذي يفرضه القانون أو العرف، بحيث لو أن الفاعل قد التزم بهذا الواجب لما وقع الضرر. يمكن أن يكون الخطأ عمدًا (بقصد إحداث الضرر) أو إهمالًا (تقصير في بذل العناية المطلوبة).

أنواع التعويض في القانون العُماني

يمكن أن يتخذ التعويض أشكالًا مختلفة في القانون العُماني، ويهدف كل شكل إلى جبر نوع معين من الأضرار:

التعويض المادي: يهدف إلى تغطية الخسائر المالية المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالمتضرر. يشمل ذلك تكاليف العلاج، خسارة الدخل، إصلاح الممتلكات التالفة، وأي نفقات أخرى مرتبطة بالضرر. يتم تقدير التعويض المادي بناءً على حجم الخسارة الفعلية التي تكبدها المتضرر.

التعويض المعنوي (الأدبي): يُمنح لجبر الأضرار غير المادية التي تصيب الجانب النفسي أو المعنوي للمتضرر، مثل الألم، الحزن، الخوف، فقدان السمعة، أو الإهانة. تقدير التعويض المعنوي غالبًا ما يكون أكثر صعوبة من التعويض المادي، ويعتمد على سلطة تقديرية للقاضي مع مراعاة ظروف الواقعة وحجم الضرر المعنوي الذي لحق بالمتضرر.

التعويض العيني: في بعض الحالات، قد يتم التعويض بإعادة الشيء إلى حالته الأصلية قبل وقوع الضرر، بدلاً من التعويض المالي. على سبيل المثال، إذا تسببت في إتلاف ممتلكات شخص ما، قد يُطلب منك إصلاحها أو استبدالها بنفس النوع والجودة.

إجراءات المطالبة بالتعويض للمطالبة بالتعويض في القانون العُماني، يجب على المتضرر اتباع الإجراءات القانونية المعتادة. تبدأ هذه الإجراءات غالبًا بتوجيه إنذار رسمي للفاعل، ثم رفع دعوى قضائية أمام المحاكم المختصة. يجب على المتضرر في دعواه إثبات توافر جميع أركان المسؤولية الموجبة للتعويض: الفعل الضار، الضرر، والعلاقة السببية، بالإضافة إلى الخطأ في حال الإضرار بالتسبب. كما يجب عليه تقديم الأدلة التي تُثبت حجم الأضرار التي لحقت به، سواء كانت مادية أو معنوية، لتمكين المحكمة من تقدير التعويض المناسب.

أهمية التعويض في حماية الحقوق يُعدّ نظام التعويض في *القانون العُماني* أداة حيوية لضمان العدالة وحماية الحقوق. فهو لا يقتصر على جبر الأضرار التي وقعت فحسب، بل يمتد ليشمل جانبًا وقائيًا، حيث يُشكل رادعًا للأفراد للامتناع عن الأفعال التي قد تُلحق الضرر بالغير. من خلال إقرار مبدأ التعويض حتى ولو كان الفاعل غير مميز، ومن خلال التفريق الدقيق بين الإضرار بالمباشرة والتسبب، يُظهر المشرّع العُماني حرصًا بالغًا على ضمان حصول المتضررين على حقوقهم كاملة، مما يُسهم في بناء مجتمع تُصان فيه الحقوق وتُحقق فيه العدالة.