بقلم المحامي والمحكم / يوسف الخضوري

مقدمة
بصفتي محامياً في سلطنة عمان، أدرك الأهمية البالغة التي تكتسبها النصوص القانونية المنظمة لممارسة التجارة في تحديد الإطار القانوني للنشاط الاقتصادي وضمان استقراره ونموه. وفي هذا المقال، سأقوم بتحليل معمق للمواد من (21) إلى (26) من قانون التجارة العماني، والتي تتناول بشكل أساسي مسألة الأهلية لممارسة التجارة في السلطنة، مع تسليط الضوء على الشروط والقيود والاستثناءات الواردة فيها.
المادة (21): الركيزة الأساسية للأهلية التجارية
تضع المادة (21) من قانون التجارة العماني القاعدة العامة للأهلية لممارسة التجارة، حيث تنص بوضوح على أن: “كل من بلغ الثامنة عشرة ميلاديا ولم يقم به مانع قانوني يتعلق بشخصه أو بنوع المعاملة التجارية التي يباشرها يكون أهلا للاشتغال بالتجارة.“
هذه المادة ترسخ مبدأين أساسيين:
- بلوغ السن القانونية: تحدد المادة سن الثامنة عشرة ميلادية كحد أدنى لازم لاكتساب الأهلية الكاملة لممارسة التجارة. هذا التحديد يتوافق مع الاتجاهات القانونية الحديثة التي تعتبر بلوغ هذا السن علامة فارقة للنضج العقلي والقدرة على تحمل المسؤوليات القانونية المترتبة على الأعمال التجارية.
- انتفاء الموانع القانونية: تشير المادة إلى وجود موانع قانونية قد تحول دون تمتع الشخص بالأهلية التجارية، وتنقسم هذه الموانع إلى نوعين:
- موانع تتعلق بشخص التاجر: وتشمل حالات فقدان الأهلية أو نقصها بموجب أحكام القانون المدني، مثل الجنون والعته والسفه والغفلة. فمثل هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم ممارسة التجارة بشكل مباشر لحماية مصالحهم ومصالح الغير المتعامل معهم.
- موانع تتعلق بنوع المعاملة التجارية: قد تفرض بعض القوانين قيوداً على ممارسة أنواع معينة من التجارة لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة أو الأمن القومي، مثل الاشتغال بتجارة الأسلحة أو المواد المخدرة، حيث تتطلب هذه الأنشطة تراخيص وشروطاً خاصة.
المادة (22): حماية أموال القاصر في التجارة
تتناول المادة (22) وضع القاصر الذي يمتلك أموالاً مستثمرة في التجارة، وتسعى إلى تحقيق التوازن بين حماية مصالح القاصر وتمكين استمرار النشاط التجاري متى كانت فيه مصلحة له. وتنص المادة على أنه: “إذا كان للقاصر مال في تجارة، جاز للمحكمة أن تأمر بتصفية ماله وسحبه من هذه التجارة أو باستمراره فيها، وفقا لما تقضي به مصلحة القاصر، مع مراعاة أحكام قانونه الوطني عند الاقتضاء. فإذا أمرت المحكمة بالاستمرار في التجارة، فلها أن تمنح النائب عن القاصر تفويضا عاما أو مقيدا للقيام بجميع الأعمال اللازمة لذلك، ويقيد التفويض في السجل التجاري وينشر في الجريدة الرسمية ولا يكون القاصر ملتزما إلا بقدر أمواله المستغلة في التجارة، ويجوز شهر إفلاسه ولا يشمل الإفلاس غير الأموال المستغلة في التجارة ولا يترتب عليه أي أثر بالنسبة إلى شخص القاصر. ويجوز للمحكمة إلغاء التفويض المشار إليه إذا طرأت أسباب جدية يخشى معها سوء إدارة النائب دون أن يترتب على ذلك أضرار بالغير حسن النية ويجب على أمانة سر المحكمة خلال الأربع والعشرين ساعة التالية لصدور الأمر بإلغاء التفويض إبلاغ الأمر لأمانة السجل التجاري لقيده ونشره في الجريدة الرسمية.“
تتضمن هذه المادة عدة نقاط جوهرية:
- سلطة المحكمة التقديرية: تمنح المادة المحكمة سلطة تقديرية واسعة في اتخاذ القرار المناسب بشأن أموال القاصر المستثمرة في التجارة، سواء بتصفيتها وسحبها أو باستمرارها، مع إعطاء الأولوية لمصلحة القاصر.
- مراعاة القانون الوطني: تؤكد المادة على ضرورة مراعاة أحكام القانون الوطني للقاصر عند الاقتضاء، خاصة فيما يتعلق بولاية الولي أو الوصي وحدود سلطاته.
- تفويض النائب عن القاصر: في حال قررت المحكمة استمرار القاصر في التجارة، يجوز لها منح النائب عنه (الولي أو الوصي) تفويضاً عاماً أو مقيداً للقيام بالأعمال اللازمة لإدارة التجارة. ويخضع هذا التفويض لقيد النشر في السجل التجاري والجريدة الرسمية لإعلام الغير بحدود سلطة النائب.
- المسؤولية المحدودة للقاصر: تقرر المادة مبدأ المسؤولية المحدودة للقاصر، حيث لا يكون ملتزماً إلا بقدر الأموال المستغلة في التجارة. هذا يحمي باقي أمواله الخاصة من مخاطر النشاط التجاري.
- إمكانية شهر إفلاس القاصر في حدود الأموال المستغلة: تجيز المادة شهر إفلاس القاصر، ولكن يقتصر نطاق الإفلاس على الأموال المستغلة في التجارة دون أن يمتد إلى باقي أمواله الشخصية، كما لا يترتب على الإفلاس أي أثر على شخص القاصر نفسه.
- إلغاء التفويض: تمنح المادة المحكمة الحق في إلغاء التفويض الممنوح للنائب عن القاصر إذا ظهرت أسباب جدية تخشى معها سوء الإدارة، مع التأكيد على حماية حقوق الغير حسن النية الذي تعامل مع النائب قبل صدور قرار الإلغاء ونشره.
- إجراءات الإبلاغ عن إلغاء التفويض: تلزم المادة أمانة سر المحكمة بإبلاغ أمانة السجل التجاري بقرار إلغاء التفويض خلال أربع وعشرين ساعة من صدوره لقيده ونشره في الجريدة الرسمية، وذلك لضمان علم الكافة بهذا الإجراء وحماية المتعاملين.
المادة (23): أهلية المرأة لممارسة التجارة
تؤكد المادة (23) على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في ممارسة التجارة، مع إحالة تحديد أهلية النساء إلى قوانين دولهن، وذلك بالنص على أنه: “مع عدم الإخلال بأحكام المادة ٢١ تخضع أهلية النساء لممارسة التجارة لقانون الدولة التي يتمتعن بجنسيتها.“
هذه المادة ترفع أي قيود قد تكون موجودة في القانون العماني تحد من أهلية المرأة لممارسة التجارة، وتجعلها تخضع لنفس الشروط المنصوص عليها في المادة (21) المتعلقة ببلوغ السن القانونية وانتفاء الموانع. أما بالنسبة للنساء الأجنبيات، فإن أهليتهن لممارسة التجارة في سلطنة عمان تخضع لقوانين دولهن.
المادة (24): قصر ممارسة التجارة على العمانيين باستثناءات قانونية
تضع المادة (24) قيداً هاماً على ممارسة التجارة في سلطنة عمان، حيث تحصرها في العمانيين إلا في الحالات التي يجيزها القانون، وذلك بالنص على أنه: “لا يجوز لغير العماني الاشتغال بالتجارة في سلطنة عمان إلا إذا أذن له بذلك طبقا لأحكام القوانين السارية في السلطنة.“
هذه المادة تعكس حرص الدولة على دعم وتشجيع المواطنين العمانيين للانخراط في النشاط التجاري. ومع ذلك، فإنها تفتح الباب لإمكانية ممارسة غير العمانيين للتجارة في السلطنة بموجب قوانين خاصة تنظم ذلك، مثل قانون استثمار رأس المال الأجنبي الذي يحدد الشروط والإجراءات اللازمة للسماح للأجانب بممارسة بعض الأنشطة التجارية والاستثمارية في السلطنة.
المادة (25): تنظيم عمل فروع الشركات الأجنبية
تتناول المادة (25) آلية عمل فروع الشركات الأجنبية في سلطنة عمان، وتشترط وجود وكيل عماني تاجر، وذلك بالنص على أنه: “لا يجوز لشركة أجنبية إنشاء فرع لها في سلطنة عمان ولا أن تباشر أعمالا تجارية فيها إلا عن طريق وكيل عماني تاجر وبالشروط التي تحددها القوانين.“
تفرض هذه المادة شرطاً أساسياً على الشركات الأجنبية الراغبة في إنشاء فروع لها أو مباشرة أعمال تجارية في السلطنة، وهو ضرورة التعامل من خلال وكيل عماني يحمل صفة التاجر. يهدف هذا الشرط إلى تنظيم دخول الشركات الأجنبية إلى السوق العماني وضمان وجود طرف عماني مسؤول ومطلع على القوانين والأنظمة المحلية، بالإضافة إلى دعم الوكلاء التجاريين العمانيين. وتترك المادة للقوانين الأخرى تحديد الشروط التفصيلية لهذا الوكالة.
المادة (26): موانع قانونية تتعلق بسلوك التاجر
تحدد المادة (26) فئات من الأشخاص الذين يُمنعون من ممارسة التجارة بسبب سلوكهم التجاري أو الجنائي السابق، وذلك بالنص على أنه:
“لا يجوز للأشخاص الآتي بيانهم ممارسة التجارة:
أولا: كل تاجر شهر إفلاسه خلال السنة الأولى من مزاولة التجارة ما لم يرد إليه اعتباره.
ثانيا: كل من حكم عليه بالإدانة في إحدى جرائم الإفلاس بالتدليس أو التقصير أو الغش التجاري أو السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة أو التزوير أو استعمال الأوراق المزورة ما لم يرد إليه اعتباره.
ويعاقب كل من خالف هذا الحظر بالسجن مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز مائتي ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع الحكم بإغلاق المحل التجاري في جميع الأحوال.“
تفرض هذه المادة نوعين من الموانع المتعلقة بسلوك التاجر:
- الإفلاس المبكر: يُمنع التاجر الذي أشهر إفلاسه خلال السنة الأولى من مزاولة التجارة من الاستمرار في ممارسة التجارة ما لم يرد إليه اعتباره. يهدف هذا المنع إلى ردع الأشخاص الذين قد يقدمون على ممارسة التجارة بنية سيئة أو دون تخطيط سليم، مما يؤدي إلى إفلاس سريع يضر بالدائنين والاقتصاد.
- الإدانة في جرائم معينة: يُمنع الأشخاص الذين صدرت بحقهم أحكام إدانة نهائية في جرائم محددة تتعلق بالنزاهة المالية والتجارية (مثل الإفلاس بالتدليس أو التقصير، الغش التجاري، السرقة، النصب، خيانة الأمانة، التزوير، استعمال الأوراق المزورة) من ممارسة التجارة ما لم يرد إليهم اعتبارهم قضائياً. يهدف هذا المنع إلى حماية الثقة في التعاملات التجارية وضمان نزاهة السوق.
كما تحدد المادة العقوبات المترتبة على مخالفة هذا الحظر، وهي السجن لمدة لا تتجاوز سنة واحدة أو غرامة لا تتجاوز مائتي ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع الحكم بإغلاق المحل التجاري في جميع الأحوال. هذه العقوبات تؤكد على جدية المشرع في تطبيق هذه القيود وحماية النظام التجاري.
الخلاصة
تشكل المواد من (21) إلى (26) من قانون التجارة العماني إطاراً قانونياً واضحاً ومنظماً لمسألة الأهلية لممارسة التجارة في سلطنة عمان. هذه المواد تحدد الشروط الأساسية لاكتساب الأهلية، وتنظم وضع القاصر الذي يمتلك أموالاً في التجارة، وتؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة في هذا الحق، وتقصر ممارسة التجارة على العمانيين مع وجود استثناءات قانونية، وتنظم عمل فروع الشركات الأجنبية، وتفرض موانع على ممارسة التجارة على بعض الفئات من الأشخاص بسبب سلوكهم السابق.
إن فهم هذه المواد وتحليلها بشكل معمق ضروري للمحامين والعاملين في المجال التجاري في سلطنة عمان لضمان الالتزام بالقانون وتجنب الوقوع في المخالفات وحماية الحقوق والمصالح المختلفة. وتعتبر هذه النصوص القانونية ركيزة أساسية لتنظيم النشاط التجاري وتعزيز بيئة استثمارية سليمة وعادلة في السلطنة.
قانون التجارة العماني https://qanoon.om/p/1990/l1990055/
رابط لمقالي / https://law-yuosif.com/قانون-التجارة-في-سلطنة-عمان-إطار-قانون/
رابط لمقالي /https://law-yuosif.com/القانون-التجاري-عمان/