
مقدمة
تعتبر قرارات حفظ البلاغات والشكاوى من قبل الادعاء العام من الإجراءات الهامة التي قد تؤثر بشكل مباشر على حقوق الأفراد والمجتمع. ففي الوقت الذي يهدف فيه الادعاء العام إلى تحقيق العدالة وكشف الحقائق، قد يرى في بعض الحالات عدم كفاية الأدلة أو عدم جدوى السير في الإجراءات الجنائية، مما يؤدي إلى إصدار قرار بحفظ الادعاء. إلا أن القانون العماني كفل للمتضررين من هذه القرارات الحق في التظلم عليها خلال مدة محددة، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال، مع الاستناد إلى النصوص القانونية ذات الصلة في قانون الجزاء العماني وقانون الإجراءات الجزائية العماني.
الإطار القانوني المنظم لقرارات حفظ الادعاء العام والتظلم منها:
ينظم قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (97/99) وتعديلاته الإجراءات المتعلقة بالتحقيق الابتدائي وجمع الاستدلالات ورفع الدعوى الجزائية، بما في ذلك حالات حفظ البلاغات والتظلم منها. وعلى الرغم من أن قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2018) وتعديلاته يختص بتحديد الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، إلا أنه يرتبط بشكل غير مباشر بحالات حفظ الادعاء العام، حيث أن عدم وجود جريمة أو عدم كفاية الأدلة لإثباتها قد يكون سببًا للحفظ.
أسباب حفظ الادعاء العام للادعاء:
قبل الخوض في تفاصيل مدة التظلم، من الضروري فهم الأسباب الموجبة التي قد تدفع الادعاء العام إلى إصدار قرار بحفظ الادعاء. يمكن تلخيص هذه الأسباب في الآتي:
- عدم كفاية الأدلة: إذا لم يتمكن المحققون من جمع أدلة كافية لإحالة المتهم إلى المحكمة، أو كانت الأدلة المتوفرة ضعيفة ولا ترقى إلى مستوى الإدانة، فقد يصدر قرار بالحفظ لعدم كفاية الأدلة.
- عدم وجود جريمة: إذا تبين للادعاء العام أن الفعل المبلغ عنه لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون العماني، سواء بموجب قانون الجزاء أو أي قانون جزائي خاص آخر، فإنه يتم حفظ الادعاء لعدم وجود جريمة.
- عدم معرفة الفاعل: في الحالات التي تقع فيها جريمة ولكن لا يتم التوصل إلى هوية مرتكبها، قد يتم حفظ الادعاء مؤقتًا لحين التوصل إلى معلومات جديدة قد تفيد في الكشف عن الفاعل.
- التصالح أو العفو: في بعض الجرائم التي يجيز فيها القانون الصلح بين الأطراف أو التي يشملها عفو عام أو خاص، قد يتم حفظ الادعاء بناءً على ذلك.
- انقضاء الدعوى الجزائية: تسقط الدعوى الجزائية في حالات معينة ينص عليها القانون، مثل مرور مدة التقادم المحددة للجريمة، وفي هذه الحالة يتم حفظ الادعاء.
- بطلان الإجراءات: إذا شاب الإجراءات الأولية أو التحقيق عيوب جوهرية تؤدي إلى بطلانها، فقد يتم حفظ الادعاء لتصحيح الوضع أو لعدم إمكانية الاستمرار في الإجراءات بشكل صحيح.
حق التظلم من قرار حفظ الادعاء العام:
كفل المشرع العماني للمتضرر من قرار حفظ الادعاء العام الحق في التظلم منه، وذلك لضمان عدم إهدار حقوق المجني عليهم وتمكينهم من عرض وجهة نظرهم على جهة أعلى في سلم الهرم القضائي. هذا الحق يعد ضمانة أساسية لتحقيق العدالة وسيادة القانون.
الجهة المختصة بنظر التظلم:
مادة (١٢٦)
للمجني عليه وللمدعي بالحق المدني أو ورثتهما التظلم من قرار حفظ التحقيق خلال عشرة أيام من تاريخ إعلانه.
مادة (١٢٧)
يرفع التظلم إلى محكمة الجنايات أو محكمة الجنح المستأنفة بحسب الأحوال منعقدة في غرفة المشورة، وعلى المحكمة إذا رأت إلغاء قرار الحفظ أن تعيد القضية إلى الادعاء العام مع بيان الجريمة والأفعال المكونة لها ونص القانون الذي يطبق عليها، وذلك لإحالتها إلى المحكمة المختصة.
وبناءً على هذا النص، فإن الجهة المختصة بنظر التظلم من قرار حفظ الادعاء العام هي محكمة الاستئناف.
المدة القانونية للتظلم:
حددت المادة (126) من قانون الإجراءات الجزائية العماني مدة عشرة أيام للتظلم من قرار حفظ التحقيق أو الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية. وتبدأ هذه المدة من تاريخ إعلان المتظلم (المجني عليه أو المدعي بالحق المدني) بالقرار.
تجدر الإشارة إلى أن قوانين الإجراءات الجزائية في دول أخرى قد تنص على مدد وإجراءات مختلفة للتظلم من قرارات حفظ التحقيق. فعلى سبيل المثال، قد تحدد بعض التشريعات مدة أقصر للتظلم، كما قد تنص على رفع التظلم إلى جهة قضائية مثل محكمة الجنايات أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة، بدلاً من رفعه إلى رئيس الادعاء العام كما هو الحال في القانون العماني. وفي هذه الحالة، إذا رأت المحكمة إلغاء قرار الحفظ، فإنها قد تعيد القضية إلى الادعاء العام مع توجيهات محددة بشأن استكمال التحقيق أو إحالة القضية إلى المحكمة المختصة.
أهمية احتساب مدة التظلم بدقة:
يجب على المتضرر من قرار حفظ الادعاء العام الانتباه جيدًا إلى تاريخ إعلانه بالقرار، حيث أن مدة عشر أيام تبدأ في احتسابها من هذا التاريخ. فإذا انقضت هذه المدة دون تقديم التظلم، يصبح قرار الحفظ نهائيًا وغير قابل للطعن عليه بهذه الطريقة.
إجراءات التظلم:
قد يشعر المتضرر من جريمة ما بالإحباط وخيبة الأمل عندما يصدر قرار بحفظ التحقيق من قبل الادعاء العام. إلا أن القانون العماني كفل له حقًا هامًا وهو التظلم من هذا القرار، سعيًا لتحقيق العدالة وإنصاف الضحية.
تنص المادة (127) من قانون الإجراءات الجزائية العماني بوضوح على هذا الحق، محددةً آليته وإطاره. فبموجب هذه المادة، يحق للمجني عليه أو المدعي بالحق المدني أو ورثتهما، خلال عشرة أيام من تاريخ إعلانهم بقرار الحفظ، التقدم بتظلمhttps://qanoon.om/p/1999/rd1999097/.
إلى أين يرفع التظلم؟
يُرفع التظلم إلى جهة قضائية أعلى درجة من الادعاء العام الذي أصدر قرار الحفظ. وتحديدًا، يرفع التظلم إلى:
- محكمة الجنايات: إذا كان قرار الحفظ متعلقًا بجناية.
- محكمة الجنح المستأنفة: إذا كان قرار الحفظ متعلقًا بجنحة.
وتنعقد هذه المحكمة للنظر في التظلم في غرفة المشورة، أي في جلسة سرية لا يحضرها الخصوم، حيث يتم فحص أسباب التظلم والمستندات المقدمة.
ماذا يمكن أن تقرره المحكمة؟
بعد دراسة التظلم، يكون للمحكمة سلطة تقديرية. فإذا رأت أن أسباب التظلم وجيهة وأن التحقيقات لم تستوفِ الغرض أو أن هناك أدلة جديدة تستدعي إعادة النظر في القضية، فإنها تصدر قرارًا بإلغاء قرار الحفظ.
وفي هذه الحالة، لا تكتفي المحكمة بالإلغاء فقط، بل تقوم بـ:
- بيان الجريمة والأفعال المكونة لها: توضيح طبيعة الجرم المرتكب والأفعال التي تشكل هذه الجريمة.
- تحديد النص القانوني المنطبق: الإشارة إلى المادة القانونية التي تجرم الفعل المرتكب وتعاقب عليه.
وبعد ذلك، تحيل المحكمة القضية مرة أخرى إلى *الادعاء العام المختص، ملزمةً إياه بإحالة القضية إلى *المحكمة المختصة لنظرها والفصل فيها.
إن المادة (127) من قانون الإجراءات الجزائية العماني تمثل ضمانة هامة لحقوق الأفراد، وتتيح لهم فرصة أخرى لعرض قضاياهم أمام القضاء في حال وجود تحفظات على قرار حفظ التحقيق. إنها آلية تهدف إلى تحقيق العدالة وتكريس مبدأ سيادة القانون.
أهمية التظلم في حماية حقوق المجني عليهم:
يعد حق التظلم من قرار حفظ الادعاء العام آلية مهمة لحماية حقوق المجني عليهم وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. فهو يتيح للمتضرر فرصة ثانية لعرض قضيته أمام جهة قضائية أعلى، وتقديم ما لديه من أدلة أو دفوع قد تغير من مسار القضية. كما أنه يمثل رقابة على قرارات حفظ الادعاء العام ويضمن اتخاذها بناءً على أسس قانونية سليمة.
التحديات العملية المتعلقة بمدة التظلم:
قد يواجه بعض المتضررين صعوبات في تقديم التظلم خلال المدة المحددة، وذلك لعدة أسباب منها:
- عدم العلم بقرار الحفظ: قد لا يتم إعلان المتضرر بقرار الحفظ بشكل رسمي أو في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى فوات مدة التظلم دون علمه.
- صعوبة الحصول على المعلومات: قد يواجه المتضرر صعوبة في الحصول على معلومات كافية حول أسباب حفظ الادعاء لتقديم تظلم مستنير.
- التعقيدات الإجرائية: قد يجد بعض الأفراد صعوبة في فهم الإجراءات القانونية المتعلقة بالتظلم وتقديمه بشكل صحيح.
مقترحات لتفعيل حق التظلم بشكل أفضل:
لضمان فعالية حق التظلم وتمكين المتضررين من استخدامه على النحو الأمثل، يمكن اقتراح بعض الإجراءات منها:
- تفعيل دور الإعلام في إعلان القرارات: يجب على الجهات المختصة التأكد من إعلان المتضررين بقرارات حفظ الادعاء العام بشكل واضح وسريع، ويمكن استخدام وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق ذلك.
- توفير معلومات واضحة حول أسباب الحفظ: يجب أن يتضمن قرار الحفظ أسبابًا واضحة ومفصلة لتمكين المتضرر من فهم الأساس الذي استند إليه القرار وتقديم تظلم بناءً على ذلك.
- تيسير إجراءات التظلم: يجب تبسيط إجراءات تقديم التظلم وتوفير نماذج إرشادية للمتضررين لمساعدتهم في تقديم تظلماتهم بشكل صحيح.
- تقديم المساعدة القانونية: في الحالات التي يكون فيها المتضرر غير قادر على تقديم التظلم بنفسه، يمكن توفير مساعدة قانونية مجانية أو بأسعار رمزية لمساعدته في استيفاء الإجراءات القانونية.
- توعية الجمهور بحقوقهم: يجب تنظيم حملات توعية للجمهور حول حقوقهم القانونية، بما في ذلك حق التظلم من قرارات حفظ الادعاء العام والمدة القانونية المحددة لذلك.
الخلاصة:
إن المدة القانونية للتظلم من قرار حفظ الادعاء العام في سلطنة عمان محددة عشرة ايام تبدأ من تاريخ إعلان المتضرر بالقرار، وفقًا لنص المادة (126) من قانون الإجراءات الجزائية العماني. ويعد هذا الحق ضمانة أساسية لحماية حقوق المجني عليهم وتمكينهم من الطعن في القرارات التي يرون أنها مجحفة بحقوقهم. ويتطلب تفعيل هذا الحق بشكل كامل اتخاذ إجراءات لضمان علم المتضررين بالقرار وتيسير إجراءات التظلم وتقديم الدعم القانوني اللازم لهم. إن الالتزام بالمدد القانونية والإجراءات المنصوص عليها يساهم في تحقيق العدالة وسيادة القانون في المجتمع العماني.
المراجع:
- قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (97/99) وتعديلاته.
- قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2018) وتعديلاته.
رابط مهم حق المتهم في الاستعانة بمحامي/https://law-yuosif.com/ضمانات-المتهم-في-القانون-العُماني-ت/