
بقلم المحامي والمحكم/يوسف الخضوري
مقدمة
بصفتي محامياً في سلطنة عمان، أرى أن فهم العناصر المكونة للمتجر التجاري يعد أمراً بالغ الأهمية لتحديد طبيعته القانونية ونطاق الحقوق والالتزامات المتعلقة به. يعتبر المتجر وحدة اقتصادية وقانونية متكاملة تتألف من مجموعة من العناصر المادية والمعنوية التي تهدف إلى تحقيق الربح من خلال ممارسة نشاط تجاري معين. وفي هذا المقال، سأقوم بتحليل أحد أهم هذه العناصر، وهو الاسم التجاري، في ضوء المواد من (39) إلى (46) من قانون التجارة العماني، مع إبراز أهميته القانونية والآثار المترتبة عليه
مفهوم المتجر وعناصره:
قبل الخوض في تفاصيل الاسم التجاري، من الضروري إلقاء نظرة موجزة على مفهوم المتجر وعناصره بشكل عام. لم يعرف قانون التجارة العماني المتجر تعريفاً جامعاً مانعاً، إلا أنه يمكن استخلاص عناصره من خلال الممارسة التجارية والنصوص القانونية المختلفة. يشمل المتجر عادة عناصر مادية كالبضائع والأثاث والآلات والمعدات، وعناصر معنوية ذات قيمة اقتصادية كالاتصال بالعملاء، والشهرة التجارية، وحق الإيجار، وبراءات الاختراع والعلامات التجارية، والأهم من ذلك، الاسم التجاري.
الفصل الأول: الاسم التجاري (المواد 39-46)
يولي قانون التجارة العماني اهتماماً خاصاً بالاسم التجاري، حيث خصص له الفصل الأول من الباب الثاني. ويعكس هذا الاهتمام الدور المحوري الذي يلعبه الاسم التجاري في التعريف بالمتجر وتمييزه عن غيره في السوق، وبناء الثقة لدى العملاء، واكتساب الشهرة التجارية.
المادة (39): تكوين الاسم التجاري وشروط صحته
تنص المادة (39) على أن: “يتألف الاسم التجاري من اسم التاجر ولقبه أو من تسمية مبتكرة أو من كليهما معا ويجب أن يختلف في وضوح عن الأسماء المقيدة قبلا. ويجوز أن يتضمن الاسم التجاري بيانات خاصة بالأشخاص المذكورين فيه متعلقة بنوع التجارة المخصص لها، كما يجوز أن يتضمن تسمية مبتكرة. وفي جميع الأحوال يجب أن يطابق الاسم التجاري الحقيقة وألا يؤدي إلى التضليل أو يمس بالصالح العام.“
تحمل هذه المادة عدة دلالات هامة:
- تكوين الاسم التجاري: تحدد المادة العناصر التي يمكن أن يتكون منها الاسم التجاري، وهي:
- اسم التاجر ولقبه: وهو أبسط أشكال الاسم التجاري ويعتمد على التعريف بشخص التاجر.
- تسمية مبتكرة: تتيح للتاجر اختيار اسم مميز وجذاب لمتجره لا يرتبط بالضرورة باسمه الشخصي.
- الجمع بين اسم التاجر ولقبه وتسمية مبتكرة: يمنح التاجر مرونة أكبر في اختيار اسم يجمع بين التعريف بشخصه والتميز.
- شروط صحة الاسم التجاري: تضع المادة ثلاثة شروط أساسية لصحة الاسم التجاري:
- الاختلاف الواضح عن الأسماء المقيدة: يجب أن يكون الاسم التجاري الجديد مميزاً بما يكفي عن الأسماء التجارية المسجلة بالفعل في السجل التجاري لتجنب اللبس والتضليل لدى الجمهور.
- مطابقة الحقيقة وعدم التضليل: يجب أن يكون الاسم التجاري صادقاً ولا يتضمن بيانات كاذبة أو مضللة حول طبيعة التجارة أو حجمها أو جودتها أو مصدرها.
- عدم المساس بالصالح العام: يجب ألا يتضمن الاسم التجاري أي عبارات أو رموز تخالف النظام العام أو الآداب العامة أو تمس بمشاعر الجمهور أو تسيء إلى سمعة الدولة أو مؤسساتها.
- بيانات إضافية في الاسم التجاري: تجيز المادة تضمين الاسم التجاري بيانات خاصة بالأشخاص المذكورين فيه تتعلق بنوع التجارة المخصصة لها، مما يساعد في تعريف الجمهور بنشاط المتجر. كما تؤكد على جواز استخدام تسمية مبتكرة لإضفاء طابع مميز على الاسم.
المادة (40): قيد الاسم التجاري وحماية التاجر
تنص المادة (40) على أن: “يقيد الاسم التجاري في السجل التجاري وفقا لأحكام القانون. ولا يجوز بعد القيد لتاجر آخر استعمال هذا الاسم في نوع التجارة التي يزاولها، وإذا كان اسم التاجر ولقبه يشبهان الاسم التجاري المقيد في السجل وجب عليه أن يضيف إلى اسمه بيانا يميزه عن الاسم السابق قيده.“
توضح هذه المادة أهمية قيد الاسم التجاري في السجل التجاري وما يترتب على هذا القيد من آثار قانونية:
- إلزامية القيد: تؤكد المادة على ضرورة قيد الاسم التجاري في السجل التجاري وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في القانون. يعتبر القيد بمثابة إشهار رسمي للاسم وحماية له من المنافسة غير المشروعة.
- الحماية القانونية للاسم المقيد: يمنح قيد الاسم التجاري التاجر حقاً حصرياً في استخدامه في نوع التجارة التي يزاولها في النطاق الجغرافي الذي يمارس فيه نشاطه. ويمنع أي تاجر آخر من استخدام نفس الاسم أو اسم مشابه له لدرجة تحدث لبساً لدى الجمهور في نفس نوع التجارة.
- حالة تشابه الأسماء الشخصية: تعالج المادة حالة تشابه اسم ولقب تاجر جديد مع اسم تجاري مقيد بالفعل. في هذه الحالة، يلزم التاجر الجديد بإضافة بيان مميز إلى اسمه التجاري لتمييزه عن الاسم السابق قيده وتجنب أي التباس.
المادة (41): التزامات التاجر المتعلقة بالاسم التجاري
تنص المادة (41) على أن: “على التاجر أن يجري معاملاته التجارية ويوقع أوراقه المتعلقة بهذه المعاملات باسمه التجاري، وعليه أن يكتب هذا الاسم في مدخل متجره.“
تفرض هذه المادة التزامات واضحة على التاجر فيما يتعلق باستخدام اسمه التجاري:
- استخدام الاسم التجاري في المعاملات: يلزم التاجر باستخدام اسمه التجاري في جميع معاملاته التجارية وتوقيع الأوراق والمستندات المتعلقة بهذه المعاملات. هذا يضمن تعريف الجمهور بالطرف المتعامل معه وربط المعاملات بالمتجر.
- عرض الاسم التجاري في مدخل المتجر: يتعين على التاجر وضع اسمه التجاري بشكل واضح في مدخل متجره لتعريف العملاء به وتمييزه عن غيره من المتاجر.
المادة (42): عدم جواز التصرف المستقل في الاسم التجاري
تنص المادة (42) على أن: “لا يجوز التصرف في الاسم التجاري تصرفا مستقلا عن التصرف في المتجر ولكن التصرف في المتجر لا يشمل الاسم التجاري ما لم ينص على ذلك صراحة أو ضمنا.“
توضح هذه المادة الطبيعة التبعية للاسم التجاري للمتجر:
- عدم جواز التصرف المستقل: لا يجوز بيع أو رهن أو التنازل عن الاسم التجاري بشكل مستقل عن المتجر الذي يستخدمه. فالاسم التجاري يكتسب قيمته من خلال ارتباطه بالنشاط التجاري والعملاء والشهرة التجارية للمتجر.
- عدم شمول التصرف في المتجر للاسم التجاري ضمناً: إن بيع أو نقل ملكية المتجر لا يشمل تلقائياً الاسم التجاري، بل يجب النص على ذلك صراحة في عقد التصرف أو أن يستفاد ذلك ضمناً من طبيعة الاتفاق وظروفه.
المادة (43): استخدام اسم السلف التجاري عند انتقال الملكية
تنص المادة (43) على أن: “لا يجوز لمن تنتقل إليه ملكية متجر أن يستخدم اسم سلفه التجاري إلا إذا آل إليه هذا الاسم أو أذن له السلف في استعماله، وفي جميع الأحوال عليه أن يضيف إلى هذا الاسم بيانا يدل على انتقال الملكية وإذا وافق السلف على استعمال الاسم التجاري الأصلي دون إضافة كان مسؤولا عن التزامات الخلف المعقودة تحت هذا الاسم إذا عجز الخلف عن الوفاء بهذه الالتزامات.“
تنظم هذه المادة حالة انتقال ملكية المتجر وإمكانية استخدام المالك الجديد لاسم المتجر السابق:
- شروط استخدام اسم السلف: لا يجوز للمالك الجديد استخدام اسم السلف التجاري إلا في حالتين:
- انتقال ملكية الاسم: إذا انتقلت ملكية الاسم التجاري إليه صراحة ضمن صفقة بيع المتجر.
- إذن من السلف: إذا حصل على إذن صريح من المالك السابق (السلف) باستخدام اسمه التجاري.
- إضافة بيان يدل على انتقال الملكية: في جميع الأحوال، يجب على المالك الجديد إضافة بيان إلى الاسم التجاري يدل على انتقال الملكية (مثل “فرع” أو “المالك الجديد”) لإعلام الجمهور بالتغيير وتجنب المسؤولية عن التزامات السلف.
- مسؤولية السلف في حال عدم إضافة بيان: إذا وافق السلف على استخدام المالك الجديد للاسم التجاري الأصلي دون إضافة أي بيان يدل على انتقال الملكية، فإنه يظل مسؤولاً بالتضامن مع المالك الجديد عن الالتزامات التي يعقدها المالك الجديد تحت هذا الاسم إذا عجز عن الوفاء بها.
المادة (44): آثار انتقال ملكية المتجر على الالتزامات والحقوق
تنص المادة (44) على أن: “من تملك اسما تجاريا تبعا لمتجر يخلف سلفه في الالتزامات والحقوق التي ترتبت تحت هذا الاسم، ولا يسري أي اتفاق مخالف في حق الغير إلا إذا قيد في السجل التجاري أو أخبر به ذوو الشأن. وتسقط المسؤولية عن التزامات السلف بمضي خمس سنوات من تاريخ انتقال المتجر.“
تحدد هذه المادة الآثار القانونية المترتبة على انتقال ملكية الاسم التجاري تبعاً لانتقال ملكية المتجر:
- خلافة في الالتزامات والحقوق: يعتبر المالك الجديد الذي تملك الاسم التجاري تبعاً للمتجر خلفاً للسلف في الالتزامات والحقوق التي نشأت تحت هذا الاسم. هذا يهدف إلى حماية حقوق الدائنين وضمان استمرارية العلاقات التجارية.
- عدم سريان الاتفاقات المخالفة على الغير إلا بالقيد أو الإخبار: أي اتفاق بين السلف والخلف يخالف مبدأ الخلافة في الالتزامات والحقوق لا يسري في حق الغير إلا إذا تم قيده في السجل التجاري أو تم إخبار ذوي الشأن به بشكل مباشر.
- سقوط مسؤولية السلف: تسقط مسؤولية السلف عن الالتزامات التي نشأت قبل انتقال المتجر بمضي خمس سنوات من تاريخ انتقال الملكية.
المادة (45): مسؤولية الخلف في حال عدم انتقال الاسم التجاري
تنص المادة (45) على أن: “من انتقلت له ملكية متجر دون اسمه التجاري لا يكون مسؤولا عن التزامات سلفه ما لم يكن هناك اتفاق مخالف مقيد في السجل التجاري.“
توضح هذه المادة الوضع القانوني في حال انتقال ملكية المتجر دون انتقال ملكية الاسم التجاري:
- عدم مسؤولية الخلف عن التزامات السلف: القاعدة العامة هي أن المالك الجديد الذي اشترى متجراً دون اسمه التجاري لا يكون مسؤولاً عن التزامات المالك السابق (السلف).
- استثناء في حال وجود اتفاق مقيد: يستثنى من هذه القاعدة حالة وجود اتفاق بين السلف والخلف يقضي بتحمل الخلف لبعض أو كل التزامات السلف، بشرط أن يكون هذا الاتفاق مقيداً في السجل التجاري ليكون نافذاً في حق الغير.
المادة (46): اسم الشركات التجارية
تنص المادة (46) على أن: “يكون اسم الشركات التجارية وفق الأحكام القانونية الخاصة بها. وللشركة أن تحتفظ باسمها الأول دون تعديل إذا انضم إليها شريك جديد أو خرج منها شريك كان اسم الشركة يشتمل على اسمه ما دام هذا الشريك أو ورثته قد قبلوا بقاء الاسم.“
تحيل هذه المادة إلى القوانين الخاصة بالشركات التجارية لتحديد كيفية تكوين أسمائها، مع إيراد حكم خاص يتعلق بتغيير الشركاء في الشركات التي يتضمن اسمها أسماء الشركاء:
- الرجوع إلى القوانين الخاصة: تخضع أسماء الشركات التجارية (مثل الشركات المساهمة، ذات المسؤولية المحدودة، التضامن، التوصية البسيطة) للأحكام المنصوص عليها في قانون الشركات التجارية والقوانين الأخرى ذات الصلة.
- احتفاظ الشركة باسمها عند تغيير الشركاء: تجيز المادة للشركة الاحتفاظ باسمها الأول دون تعديل في حال انضمام شريك جديد أو خروج شريك كان اسمه جزءاً من اسم الشركة، بشرط موافقة الشريك الخارج أو ورثته على بقاء الاسم. هذا يهدف إلى الحفاظ على استقرار الاسم التجاري للشركة وشهرتها.
الخلاصة
تبرز المواد من (39) إلى (46) من قانون التجارة العماني الأهمية القصوى للاسم التجاري كعنصر أساسي من عناصر المتجر. فالاسم التجاري ليس مجرد وسيلة لتعريف المتجر، بل هو أداة لبناء الثقة مع العملاء، واكتساب الشهرة، وحماية النشاط التجاري من المنافسة غير المشروعة. وقد وضع القانون شروطاً دقيقة لتكوين الاسم التجاري وتسجيله واستخدامه والتصرف فيه، كما نظم حالات انتقال ملكية المتجر وتأثير ذلك على الاسم التجاري والالتزامات والحقوق المرتبطة به. إن فهم هذه الأحكام القانونية يعد ضرورياً لكل تاجر ومستثمر ومحام في سلطنة عمان لضمان ممارسة النشاط التجاري وفقاً للقانون وحماية الحقوق والمصالح المشروعة.
مصادر:
https://qanoon.om/p/1990/l1990055/ قانون التجارة العماني
روابط مقالاتي