المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

سقوط حضانة الأم: المادة 128 من نظام الأحوال الشخصية السعودي

مقدمة: ريادة مصلحة المحضون

يمثل نظام الأحوال الشخصية السعودي الجديد، الصادر عام 1443هـ (2022م)، نقلة نوعية في تنظيم قضايا الأسرة، وعلى رأسها قضايا الحضانة. لقد رسخ النظام مبدأ أن مصلحة المحضون هي الاعتبار الأسمى والمقدم على مصالح وحقوق الحاضن.

ووفقاً للمادة (127) من النظام، تكون الحضانة في الأصل للأم ثم للأب، ثم للأحق من الأقارب. ورغم هذه الأولوية التي منحها النظام للأم كحاضنة طبيعية، إلا أن هذا الحق ليس مطلقاً، بل يخضع لشروط محددة إذا ما تخلف أحدها، أمكن للطرف الآخر المطالبة بإسقاط الحضانة عنها.

السؤال المركزي الذي يشغل المحاكم والأسر هو: متى تسقط حضانة الأم في النظام السعودي الجديد؟ تحدد المادة (128) من النظام الإطار العام للإجابة على هذا التساؤل.


 

المادة القانونية لسقوط الحضانة: المادة (128)

 

ينص نظام الأحوال الشخصية على أن الحق في الحضانة يسقط إذا تخلف أي شرط من الشروط الواجب توافرها في الحاضن.

تأتي المادة (128) من نظام الأحوال الشخصية لتحدد الحالات العامة لسقوط الحضانة، وهي تنطبق على الأم وغيرها من مستحقي الحضانة. وتنص المادة (128) على أنه:

يسقط الحق في الحضانة في الحالات الآتية:1

 

 

  1. إذا تخلف أحد الشروط المذكورة في المادتين (الخامسة والعشرين بعد المائة) و(السادسة والعشرين بعد المائة) من هذا النظام.2

     

     

  2. إذا انتقل الحاضن إلى مكان بقصد الإقامة تفوت به مصلحة المحضون.3

     

     

  3. إذا سكت مستحق الحضانة عن المطالبة بها مدة تزيد على 4سنة من غير عذر، ما لم تقتض مصلحة المحضون خلاف ذلك.”

     

     

بناءً على هذه المادة، يمكن تفصيل الحالات التي تؤدي إلى سقوط حق الأم في الحضانة.


 

أولاً: تخلف الشروط العامة والخاصة (المواد 125 و 126)

 

إن أول وأهم أسباب سقوط الحضانة هو تخلف شرط أساسي من شروط الحاضن، سواء كانت شروطاً عامة أو الشرط الخاص بالأم الحاضنة.

 

أ. تخلف الشروط العامة في الحاضن (المادة 125)

 

تسقط الحضانة عن الأم إذا فقدت أحد الشروط العامة المنصوص عليها في المادة (125)، والتي تشمل:

  1. العقل والبلوغ: يجب أن يكون الحاضن كامل الأهلية (بالغاً وعاقلاً). فإذا أصيبت الأم الحاضنة بمرض نفسي أو عقلي مُقعد يُفقِدها القدرة على رعاية المحضون، يسقط حقها.

  2. الأمانة: يجب أن يكون الحاضن أهلاً للأمانة. إذا ثبت ارتكاب الأم لأفعال مخلة بالشرف أو الأمانة بموجب حكم قضائي نهائي (سواء كان جنائياً أو أخلاقياً)، مما يهدد أخلاق المحضون وتربيته، يسقط حقها.

  3. القدرة على رعاية المحضون: يجب أن يكون الحاضن قادراً على تربية المحضون وصيانته. إذا ثبت إهمال الأم البالغ والملحوظ في الرعاية، أو عدم توفير الاحتياجات الأساسية والصحية والتعليمية، أو ممارسة العنف الجسدي أو النفسي ضد المحضون، يسقط حقها.

 

ب. الشرط الخاص بزواج الأم (المادة 126)

 

تعتبر مسألة زواج الأم بعد الطلاق من أكثر النقاط حساسية، وقد جاء النظام الجديد بتفصيل واضح لها.

تنص المادة (126)، فقرة (2)، على أن: “إذا كان الحاضن غير الأب، فيشترط أن لا تكون متزوجة بغير محرم للمحضون.”

  • القاعدة: يسقط حق الأم في الحضانة بمجرد زواجها برجل أجنبي (غير محرم) للمحضون، لأن هذا الزواج قد يعرض المحضون لضرر أو يشتت رعايته.

  • الاستثناءات: وفقاً للنظام، لا يسقط حق الأم في الحضانة عند زواجها إذا:

    • كان المحضون لم يتجاوز السنتين من عمره (رغم زواج الأم، تكون هي أحق بالحضانة في هذا السن).

    • كان الزوج محرماً للمحضون (مثل عم الطفل).

    • قضت المحكمة ببقاء الحضانة للأم لمصلحة المحضون (السلطة التقديرية للقاضي).


 

ثانياً: الضرر بمصلحة المحضون بسبب الانتقال أو السفر

 

إن مصلحة المحضون تقتضي استقراره، ولذلك وضع النظام ضوابط على تنقل الحاضن:

 

أ. الانتقال داخل المملكة (المادة 128/2)

 

يسقط حق الأم في الحضانة إذا انتقلت إلى مكان بقصد الإقامة تفوت به مصلحة المحضون.

  • المقصود: هذا الانتقال يجب أن يكون ضاراً بمصالح الطفل الأساسية، مثل حرمان المحضون من بيئته المدرسية، أو علاجه، أو حرمان الطرف الآخر (الأب) من رؤيته بسهولة، خاصة إذا كان الغرض من الانتقال هو الإضرار.

 

ب. السفر خارج المملكة (المادة 129)

 

حددت المادة (129) من النظام قيوداً صارمة على سفر الحاضن بالمحضون، سواء كانت الأم أو الأب:

  • الحاضن (الأم أو الأب): لا يجوز للحاضن أن يسافر بالمحضون خارج المملكة مدة تزيد على تسعين يوماً في السنة إلا بموافقة الوالد الآخر، أو بموافقة الولي على النفس في حال وفاته.

  • عدم الموافقة: إذا سافرت الأم بالمحضون خارج المملكة دون موافقة الأب، وتجاوزت المدة المحددة (90 يوماً)، فإن ذلك يشكل إخلالاً بواجبات الحضانة ويهدد حق الأب في الرؤية، مما يخول الأب رفع دعوى إسقاط الحضانة.


 

ثالثاً: الإهمال في المطالبة أو مخالفة حكم الرؤية

 

 

أ. السكوت عن المطالبة بالحضانة (المادة 128/3)

 

يسقط حق الأم في الحضانة إذا سكتت عن المطالبة بها مدة تزيد على سنة من غير عذر مقبول.

  • المقصود: إذا لم تطالب الأم بالحضانة لمدة تزيد عن عام كامل بعد الانفصال، فإنه يُعتبر تنازلاً ضمنياً عن حقها، مما يتيح للأب المطالبة بتثبيت الحضانة له.

 

ب. منع الرؤية (الإخلال بالواجب)

 

على الرغم من أن النظام لا ينص صراحة على سقوط الحضانة كعقوبة مباشرة لمنع الرؤية، إلا أن منع الأم للأب من زيارة المحضون لمرات متتالية أو التعسف في تطبيق حكم الرؤية يُعد دليلاً على عدم استيفاء شرط القدرة على رعاية المحضون بشكل يخدم مصلحته النفسية، ويُعتبر سبباً قوياً يدخل تحت السلطة التقديرية للقاضي لإصدار حكم بإسقاط الحضانة عنها.


 

رابعاً: انتهاء الحضانة ببلوغ السن القانونية (المادة 135)

 

إن نهاية الحضانة ليست “سقوطاً” بمعنى العقوبة، بل هي نهاية طبيعية لوجوب الحضانة.

  • سن التخيير (15 سنة): تنص المادة (135) من النظام على أنه إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من عمره، فله الحق في الاختيار في الإقامة لدى أحد والديه، ما لم تقتضِ مصلحة المحضون خلاف ذلك. فإذا اختار الابن أو البنت الإقامة لدى الأب، تنتهي حضانة الأم.

  • سن انتهاء الحضانة (18 سنة): تنتهي الحضانة بشكل نهائي إذا أتم المحضون ثمانية عشر عاماً، وهنا يصل المحضون سن الرشد ولا يكون لأي من الوالدين حق الحضانة عليه.


 

خلاصة: ميزان المصلحة العليا

 

في الختام، يُظهر نظام الأحوال الشخصية السعودي الجديد أن الحضانة حق للأم يهدف إلى توفير الرعاية المثلى للمحضون، ولكنه ليس حقاً غير قابل للإلغاء. تسقط حضانة الأم بشكل أساسي عند تخلف شروط الرعاية (العقل والأمانة)، أو عند زواجها من أجنبي، أو عند إقدامها على فعل يضر بمصلحة المحضون (كالسفر غير الموافق عليه أو الانتقال بقصد الإضرار).

في جميع الحالات، تبقى مصلحة المحضون هي المعيار الأهم الذي يُعول عليه القاضي، حيث يمكن للقاضي ألا يسقط الحضانة عن الأم رغم تحقق سبب السقوط، إذا رأى في انتقال الحضانة ضرراً أكبر على الطفل.

 

Exit mobile version