بقلم: المحامي والمحكم يوسف الخضوري
تُعدّ بريطانيا مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا حيويًا يجذب أفراد الجالية العربية من مختلف الخلفيات. ومع تزايد التفاعل الاجتماعي والاقتصادي، قد تنشأ نزاعات تتطلب حلًا قانونيًا. ولكن، غالبًا ما يُواجه أفراد الجالية بتكاليف قانونية باهظة في النظام القضائي البريطاني، الأمر الذي قد يُشكّل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق العدالة. يهدف هذا المقال إلى توجيه الجالية العربية نحو طرق فعالة لتجنب هذه المصاريف الضخمة، مع إبراز دور التحكيم، وخاصة التحكيم عن بُعد، كبديل مثالي للتقاضي.
فهم التكاليف القانونية في بريطانيا:
قبل البحث عن حلول، من الضروري فهم طبيعة التكاليف القانونية في بريطانيا. تتضمن هذه التكاليف عادةً:
- أتعاب المحامين: تُعدّ هذه هي المكون الأكبر من التكلفة. يتقاضى المحامون في بريطانيا أتعابهم بالساعة، وقد تتفاوت هذه الأتعاب بشكل كبير بناءً على خبرة المحامي ومكتب المحاماة ونوع القضية.
- رسوم المحكمة: تشمل رسوم رفع الدعوى، ورسوم تقديم المستندات، ورسوم الجلسات، وغيرها.
- مصاريف الخبراء: في العديد من القضايا (مثل القضايا العقارية، والطبية، والهندسية)، قد يتطلب الأمر الاستعانة بخبراء لتقديم تقارير أو شهادات، وتكون أتعابهم مكلفة.
- مصاريف إجرائية أخرى: مثل تكاليف الترجمة، وتكاليف السفر، وتكاليف البحث عن المعلومات.
استراتيجيات لتجنب المصاريف القانونية الضخمة:
يمكن لأفراد الجالية العربية اعتماد العديد من الاستراتيجيات لتقليل التعرض للمصاريف القانونية الباهظة:
1. الوقاية خير من العلاج:
صياغة العقود بوضوح: قبل الدخول في أي التزام تعاقدي (سواء كان إيجارًا، شراء عقار، شراكة تجارية، أو أي اتفاق آخر)، يجب التأكد من صياغة العقد بوضوح ودقة. يُنصح بالاستعانة بمحامٍ متخصص لمراجعة العقود وتضمين بنود واضحة لحل النزاعات.
التوثيق الجيد: الاحتفاظ بسجلات دقيقة لجميع المعاملات والاتصالات والمستندات ذات الصلة. يساعد التوثيق الجيد في إثبات الوقائع وتقليل الحاجة إلى البحث الطويل والمكلف.
فهم القوانين المحلية: الإلمام بالقوانين البريطانية ذات الصلة بالمسائل التي تهم الأفراد (مثل قوانين العمل، وقوانين الإيجار، وقوانين الهجرة). يمكن الحصول على معلومات مبدئية من مصادر موثوقة عبر الإنترنت أو من جمعيات الجالية.
2. الحلول البديلة للنزاعات (Alternative Dispute Resolution – ADR):
تُعدّ الحلول البديلة للنزاعات وسيلة فعالة لتجنب التقاضي المكلف، وتشمل:
التفاوض المباشر: في حال نشوب نزاع، يُعدّ التفاوض المباشر بين الأطراف هو الخطوة الأولى والأكثر فعالية. يمكن للمحامين المساعدة في تسهيل عملية التفاوض.
الوساطة (Mediation): الوساطة هي عملية يلتقي فيها الأطراف المتنازعون مع وسيط محايد يساعدهم على التوصل إلى حل ودي. الوسيط لا يفرض قرارًا، بل يسهل الحوار والتفاهم. تُعدّ الوساطة أقل تكلفة بكثير من التقاضي وتوفر بيئة مرنة لحل النزاعات.
التحكيم (Arbitration): يُعدّ التحكيم من أهم الحلول البديلة للنزاعات، وهو ما سنركز عليه في هذا المقال.

التحكيم: الملاذ الآمن للجالية العربية لتجنب المصاريف القانونية الضخمة، وخاصة التحكيم عن بُعد:
التحكيم هو عملية يتم فيها إحالة النزاع إلى طرف ثالث محايد (المحكم أو هيئة التحكيم) لاتخاذ قرار ملزم للأطراف. يُعدّ التحكيم بديلاً شائعًا للتقاضي في المحاكم، ويوفر العديد من المزايا التي تجعله خيارًا مثاليًا للجالية العربية، مع إضافة التحكيم عن بُعد بُعدًا جديدًا من الكفاءة والتوفير.
مزايا التحكيم:
- السرعة والكفاءة: غالبًا ما تكون إجراءات التحكيم أسرع بكثير من إجراءات المحاكم. تُحدد الجداول الزمنية للتحكيم من قبل الأطراف والمحكم، مما يسمح بإنهاء النزاع في وقت أقصر.
- السرية والخصوصية: على عكس جلسات المحاكم العلنية، تكون جلسات التحكيم سرية وخاصة. هذا يحمي سمعة الأفراد والشركات ويحافظ على خصوصية المعلومات الحساسة.
- التخصص والخبرة: يمكن للأطراف اختيار محكمين لديهم خبرة متخصصة في مجال النزاع (على سبيل المثال، التحكيم في العقارات، أو في مجال التجارة الدولية، أو في النزاعات الأسرية). وهذا يضمن أن القرار يُتخذ من قبل خبير في الموضوع، مما يزيد من فرص التوصل إلى حل عادل ومستنير.
- المرونة في الإجراءات: يمكن للأطراف الاتفاق على الإجراءات التي تناسبهم، مما يقلل من القيود الشكلية الصارمة الموجودة في المحاكم. يمكن تحديد مكان التحكيم، ولغة التحكيم، وقواعد الإثبات.
- التكلفة المنخفضة: على الرغم من أن التحكيم ينطوي على رسوم للمحكم والمؤسسة التحكيمية (إن وجدت)، إلا أنه غالبًا ما يكون أقل تكلفة بكثير من التقاضي في المحاكم. يعود ذلك إلى سرعة الإجراءات، وتقليل الحاجة إلى جلسات مطولة، والمرونة التي تسمح بتقليل الأعباء الإجرائية.
- قابلية إنفاذ الأحكام: تُعدّ أحكام التحكيم في بريطانيا قابلة للإنفاذ بموجب قانون التحكيم لعام 1996، وهي معترف بها دوليًا بموجب اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها. وهذا يوفر ضمانًا بأن القرار المتخذ سيكون ملزمًا وقابلًا للتنفيذ.
- الحفاظ على العلاقات: بما أن التحكيم أقل عدائية من التقاضي، فإنه يمكن أن يساعد في الحفاظ على العلاقات التجارية أو الشخصية بين الأطراف، وهو أمر مهم بشكل خاص داخل الجالية.
التحكيم عن بُعد: بُعد إضافي من الكفاءة والراحة:
بصفتي المحامي والمحكم يوسف الخضوري، أقدم خدمات التحكيم عن بُعد، مما يضيف مزايا حاسمة لأفراد الجالية العربية:
توفير الوقت والجهد: لا حاجة للسفر أو تحمل تكاليف الإقامة لحضور الجلسات. يمكن للأطراف والمحكم المشاركة من أي مكان في العالم عبر الإنترنت.
مرونة المواعيد: يمكن تحديد مواعيد الجلسات لتناسب التوقيتات المختلفة للمشاركين، مما يسهل على الأطراف المقيمين في مناطق زمنية متباينة.
الوصول إلى الخبراء: يفتح التحكيم عن بُعد الباب أمام الاستعانة بخبراء أو شهود من أي مكان، دون قيود جغرافية.
تقليل التكاليف بشكل أكبر: بالإضافة إلى المزايا العامة للتحكيم، يقلل التحكيم عن بُعد من التكاليف المرتبطة بالسفر والإقامة والتنظيم اللوجستي للجلسات الفعلية.
سهولة استخدام التكنولوجيا: مع التطور المستمر في تقنيات الاتصال المرئي والصوتي، أصبح التحكيم عن بُعد عملية سلسة وفعالة، حيث يمكن تبادل المستندات والبيانات بشكل آمن عبر المنصات الرقمية.
متى يمكن اللجوء إلى التحكيم (سواء كان تقليديًا أو عن بُعد)؟
يمكن للأطراف تضمين شرط التحكيم في عقودهم الأصلية (شرط التحكيم)، والذي ينص على أن أي نزاع ينشأ عن العقد سيتم تسويته عن طريق التحكيم. حتى إذا لم يكن هناك شرط تحكيم مسبق، يمكن للأطراف الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم بعد نشوب النزاع (اتفاق التحكيم). ويُمكن في كلا الحالتين الاتفاق على أن يكون التحكيم عن بُعد.
كيف أختار المحكم المناسب؟
عند اختيار المحكم، يجب على أفراد الجالية العربية البحث عن محكمين ذوي خبرة في مجال النزاع، ويفضل أن يكونوا على دراية بالخلفية الثقافية للجالية. يمكن البحث عن محكمين معتمدين من قبل هيئات تحكيم دولية أو وطنية مرموقة، أو من خلال توصيات من خبراء قانونيين موثوق بهم. عند اختيار التحكيم عن بُعد، تأكد من أن المحكم لديه الخبرة الكافية في إدارة الجلسات الافتراضية والتعامل مع التحديات التقنية المحتملة.
نصائح إضافية للجالية العربية:
البحث عن المساعدة القانونية المجانية أو المخفضة: هناك بعض المنظمات والجمعيات الخيرية في بريطانيا التي تقدم استشارات قانونية مجانية أو منخفضة التكلفة لأفراد الجالية، وخاصة للمستحقين.
التعاون مع جمعيات الجالية: تلعب جمعيات الجالية دورًا مهمًا في توفير المعلومات والتوجيه القانوني الأولي لأفرادها. يمكن لهذه الجمعيات أن تكون نقطة انطلاق جيدة للحصول على المشورة.
فهم نظام المساعدة القانونية (Legal Aid): في بعض الحالات، يمكن للأفراد المؤهلين الحصول على مساعدة قانونية من الحكومة البريطانية لتغطية التكاليف القانونية، خاصة في القضايا الجنائية أو القضايا المدنية الحرجة.
الخاتمة:
إن تجنب المصاريف القانونية الضخمة في بريطانيا يتطلب وعيًا قانونيًا استباقيًا وفهمًا للبدائل المتاحة. التحكيم، بصفته آلية سريعة، سرية، متخصصة، وفعالة من حيث التكلفة، يقدم حلًا مثاليًا للعديد من النزاعات التي قد تواجهها الجالية العربية. مع ظهور التحكيم عن بُعد، أصبح هذا الحل أكثر جاذبية وكفاءة، حيث يوفر الراحة والمرونة ويقلل من الأعباء المالية المرتبطة بالسفر والتنقل. بصفتي المحامي والمحكم يوسف الخضوري، أشجع أفراد الجالية على التفكير جديًا في تضمين شروط التحكيم عن بُعد في عقودهم، واللجوء إليه كخيار أول لحل نزاعاتهم. هذا لا يضمن فقط حلًا عادلًا وفعالًا، بل يساهم أيضًا في تخفيف العبء المالي الكبير الذي قد تفرضه إجراءات التقاضي التقليدية. من خلال التوعية واللجوء إلى هذه الأدوات القانونية المتاحة، يمكن للجالية العربية أن تحمي مصالحها بكفاءة وفعالية في المملكة المتحدة.
https://law-yuosif.com/التحكيم للجالية العربية في أوروبا – الحل الذكي بدون محاكم/
https://www.legislation.gov.uk/ukpga/1996/23