المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

الفصل التعسفي في قانون العمل العماني: حماية حقوق العامل وتعزيز الاستقرار الوظيفي


مقدمة

يُعدّ الفصل التعسفي من أبرز التحديات التي قد يواجهها العامل في مسيرته المهنية، ويمثل انتهاكاً لحقوقه التي كفلها له القانون. في قانون العمل العماني الجديد، أولى المشرّع اهتماماً خاصاً لهذه المسألة، سعياً منه لضمان حماية العامل من القرارات غير المبررة لإنهاء الخدمة، وتعزيز مبدأ الاستقرار الوظيفي في سوق العمل. فهم مفهوم الفصل التعسفي وأسبابه وتداعياته أمر بالغ الأهمية لكل من العامل وصاحب العمل على حد سواء في سلطنة عُمان.

إن العلاقة بين العامل وصاحب العمل تحكمها مجموعة من القواعد والضوابط القانونية التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح الطرفين. وعندما تُنهى هذه العلاقة من جانب صاحب العمل دون مسوّغ قانوني صحيح، فإننا نكون أمام حالة من الفصل التعسفي. هذا يعني أن قرار الفصل لم يستند إلى أي من الأسباب المشروعة التي يحددها القانون، بل كان قراراً أحادياً مبنياً على تقدير غير سليم أو دوافع غير قانونية.

 

مفهوم الفصل التعسفي في القانون العماني

 

لتحديد ما إذا كان الفصل تعسفياً أم لا، يجب علينا العودة إلى النصوص القانونية التي تحدد الحالات التي يجوز فيها إنهاء عقد العمل بصورة مشروعة. المادة (٦٥) من الفصل الخامس عشر “انتهاء الخدمة” في قانون العمل العماني الجديد هي المادة المحورية في هذا الصدد. هذه المادة تحدد حصراً الحالات التي تنتهي فيها خدمة العامل بطريقة قانونية، وهي:

  1. انتهاء مدة العقد المحدد المدة: ما لم يستمر الطرفان في تنفيذه، ففي هذه الحالة يُعتبر العقد مجدداً لمدة غير محددة. أو إنجاز العمل المتفق عليه.

  2. إنهاء العقد من قبل العامل أو المنشأة: ولكن بشرط أن يكون ذلك طبقاً لأحكام القانون (مثل الالتزام بفترة الإخطار القانونية في العقود غير محددة المدة).

  3. وفاة العامل: حالة واضحة تنهي العلاقة العمالية.

  4. عجز العامل عن تأدية عمله: يجب أن يكون العجز ثابتاً ومُقّراً به طبياً.

  5. إنهاء العقد لأحد الأسباب الواردة في المادتين (٤٠ ، ٤٣) من القانون: هاتان المادتان تتناولان الأسباب التأديبية التي تبرر الفصل، مثل ارتكاب العامل لمخالفات جسيمة أو إخلاله بواجباته الأساسية.

  6. ترك العامل العمل في الحالات الواردة في المادة (٤١) من القانون: هذه المادة تمنح العامل الحق في ترك العمل دون إنذار مع حقه في المكافأة وتعويض الضرر إذا أخل صاحب العمل بالتزاماته الجوهرية.

  7. مرض العامل: إذا استوجب انقطاعه عن العمل مدة متصلة أو منفصلة لا تقل عن (٣) ثلاثة أشهر خلال العام الواحد، شريطة استنفاد مدة الإجازة المرضية المنصوص عليها في المادة (٨٢) من القانون ورصيده من الإجازات الاعتيادية.

  8. إلغاء أو عدم تجديد ترخيص مزاولة العمل أو إقامة العامل غير العماني: أو قرار إبعاده عن البلاد من قبل الجهات الحكومية المختصة.

إذاً، يكمن جوهر الفصل التعسفي في أن إنهاء عقد العمل قد تم دون أن يندرج تحت أي من هذه الحالات الثماني المذكورة صراحةً. بعبارة أخرى، أي فصل لا يستند إلى سبب مشروع ومحدد في هذه المادة، أو لا يلتزم بالإجراءات القانونية اللازمة، يعتبر فصلاً تعسفياً.


 

أمثلة على الفصل التعسفي

 

لفهم أعمق، دعونا نستعرض بعض السيناريوهات التي قد تشكل فصلاً تعسفياً:

  • الفصل دون سبب مشروع: قيام صاحب العمل بإنهاء خدمة العامل لأنه لم يعجبه شكله، أو لسبب شخصي لا يتعلق بالأداء أو السلوك المهني، أو دون إبداء أي سبب على الإطلاق.

  • الفصل بسبب الإبلاغ عن مخالفات: إذا قام العامل بالإبلاغ عن مخالفات مالية أو إدارية داخل المنشأة، وتم فصله نتيجة لذلك.

  • الفصل بسبب المطالبة بالحقوق: فصل العامل لأنه طالب بحقوقه المشروعة مثل الأجور المتأخرة، أو الإجازات، أو ساعات العمل الإضافية.

  • الفصل بسبب المرض دون استيفاء الشروط: فصل العامل بسبب مرضه قبل انقضاء المدة القانونية (ثلاثة أشهر) وقبل استنفاد جميع إجازاته المرضية والاعتيادية، كما هو منصوص عليه في المادة (٦٥) بند (٧).

  • الفصل أثناء الإجازة: فصل العامل أثناء تمتعه بإجازة مرضية أو إجازة أمومة أو إجازة اعتيادية بشكل يخالف أحكام القانون.

  • الفصل التمييزي: فصل العامل بسبب جنسه، عرقه، دينه، لونه، أو انتماءاته السياسية أو النقابية، أو حمله.

  • الفصل دون إخطار أو تعويض في العقد غير محدد المدة: إذا كان العقد غير محدد المدة، وقام صاحب العمل بالفصل دون منح فترة الإخطار القانونية أو دفع التعويض المناسب بدلاً منها، فهذا قد يُعد فصلاً تعسفياً حتى لو كان هناك سبب آخر، حيث لم تُتبع الإجراءات القانونية.


 

حقوق العامل المتضرر من الفصل التعسفي

 

يمنح قانون العمل العماني العامل المتضرر من الفصل التعسفي الحق في اللجوء إلى الجهات المختصة للمطالبة بحقوقه. تشمل هذه الحقوق عادةً:

  1. التعويض المالي: يُمنح العامل تعويضاً عن الضرر الذي لحق به جراء الفصل غير المبرر. يختلف مبلغ التعويض بناءً على مدة خدمة العامل وحجم الضرر الذي لحق به، وعادة ما يُحتسب بعدد معين من الأشهر من الأجر الشامل.

  2. المستحقات العمالية: بالإضافة إلى التعويض، يحق للعامل الحصول على جميع مستحقاته العمالية كاملة، مثل مكافأة نهاية الخدمة، الأجور غير المدفوعة، وبدل رصيد الإجازات غير المستنفذة.

  3. إعادة العامل للعمل: في بعض الحالات، وخاصة إذا كان الفصل جائراً بشكل كبير، قد تقضي المحكمة بإعادة العامل إلى عمله، وهو أمر نادر الحدوث ولكنه وارد.

تتولى وزارة العمل في سلطنة عُمان دوراً رئيسياً في تسوية المنازعات العمالية، حيث يمكن للعامل المتضرر تقديم شكوى لديها. إذا لم يتم التوصل إلى تسوية ودية، يتم إحالة النزاع إلى المحكمة المختصة للفصل فيه قضائياً.


 

أهمية مكافحة الفصل التعسفي

 

إن حماية العمال من الفصل التعسفي ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. فعندما يشعر العامل بالأمان الوظيفي، فإنه يصبح أكثر إنتاجية وولاءً لمنشأته، مما ينعكس إيجاباً على الأداء العام للاقتصاد. كما أن مكافحة الفصل التعسفي تعزز من جاذبية سوق العمل العماني للمواهب المحلية والأجنبية، وتسهم في بناء بيئة عمل عادلة ومنصفة.

أما بالنسبة لأصحاب العمل، فإن فهم أحكام الفصل التعسفي وتجنب الوقوع فيه يحميهم من الدعاوى القضائية التي قد تكبّدهم تعويضات مالية كبيرة، وتضر بسمعتهم في السوق. الالتزام بالقانون يعزز من بيئة العمل الإيجابية ويقلل من دوران الموظفين، مما يساهم في بناء قوة عاملة مستقرة وذات خبرة.

في الختام، فإن قانون العمل العماني الجديد يضع معايير واضحة لإنهاء عقد العمل، ويسعى جاهداً لحماية حقوق العمال من أي تعسف. الوعي بهذه الأحكام القانونية ضروري لجميع الأطراف لضمان علاقات عمل صحية ومستقرة، تسهم في تحقيق التنمية والازدهار في سلطنة عُمان.


 

 

 

                طريقة تفديم شكوى عمالية


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *