المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

القضاء الإداري في سلطنة عمان

بقلم المحامي والمحكم/ يوسف الخضوري

مقدمة:

تعد محكمة القضاء الإداري في سلطنة عمان صرحًا شامخًا من صروح العدالة، وحارسًا أمينًا على مبدأ المشروعية وسيادة القانون في مواجهة القرارات والإجراءات الإدارية. وقد أولى المشرع العماني لهذه المحكمة اختصاصًا نوعيًا محددًا بموجب قانونها، وذلك حرصًا منه على تحقيق التوازن بين سلطة الإدارة وحقوق الأفراد والجماعات. وتكتسب المواد (٦) و (٧) و (٨) و (٩) من قانون محكمة القضاء الإداري أهمية بالغة، حيث تحدد بدقة نطاق اختصاص المحكمة، والقيود الواردة عليه، وأسس الطعن في القرارات الإدارية، والإجراءات الأولية اللازمة لقبول الدعوى. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل قانوني معمق لهذه المواد، وبيان دلالاتها وآثارها على الخصومات الإدارية في سلطنة عمان.

المادة (٦): تحديد دقيق للاختصاص النوعي

تستهل المادة (٦) من قانون محكمة القضاء الإداري بتأكيد مبدأ الاختصاص النوعي الحصري للمحكمة في الفصل في “الخصومات الإدارية الآتية”، ثم تفصل ثمانية أنواع من هذه الخصومات على سبيل الحصر لا المثال، مما يرسم حدودًا واضحة لسلطة المحكمة ويمنع تداخل الاختصاصات مع جهات قضائية أخرى.

أولاً: الدعاوى الخاصة بالرواتب والمعاشات والمكافآت وما في حكمها (البند ١):

يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بالمستحقات المالية للموظفين العموميين أو ورثتهم، سواء كانت رواتب شهرية، أو معاشات تقاعدية، أو مكافآت نهاية الخدمة، أو أي مبالغ أخرى ذات طبيعة مماثلة. هذا الاختصاص يعكس حرص المشرع على حماية الحقوق المالية للعاملين في القطاع العام، وضمان حصولهم على مستحقاتهم وفقًا للقوانين واللوائح المنظمة.

ثانياً: دعاوى مراجعة قرارات الإحالة إلى التقاعد أو الفصل بغير الطريق التأديبي (البند ٢):

يمنح هذا البند الموظفين العموميين الحق في الطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بإحالتهم إلى التقاعد المبكر أو فصلهم من الخدمة لغير أسباب تأديبية. هذا الاختصاص يمثل ضمانة هامة لحقوق الموظفين ويحميهم من القرارات التعسفية أو غير المستندة إلى أسباب قانونية مشروعة. ويستثني هذا البند حالات الفصل التأديبي التي تخضع لاختصاص آخر قد ينظمه القانون.

ثالثاً: دعاوى مراجعة الجزاءات التأديبية (البند ٣):

يختص القضاء الإداري كذلك بنظر الدعاوى التي يقدمها الموظفون العموميون للطعن في الجزاءات التأديبية الموقعة عليهم. هذا الاختصاص يتيح للموظف المتضرر فرصة التظلم من العقوبة التي يراها غير عادلة أو مخالفة للإجراءات القانونية، ويضمن رقابة قضائية على سلطة التأديب التي تمارسها الإدارة.

رابعاً: دعاوى مراجعة القرارات الإدارية النهائية (البند ٤):

يمثل هذا البند جوهر اختصاص القضاء الإداري، حيث يمنح “ذوي الشأن” الحق في الطعن في أي قرار إداري نهائي يمس حقوقهم أو مصالحهم المشروعة. وعبارة “ذوو الشأن” تتسع لتشمل الأفراد والشركات والجمعيات وغيرها ممن لهم مصلحة مباشرة وقانونية في القرار المطعون فيه. ويشترط أن يكون القرار “نهائيًا”، أي أنه استنفد طرق الطعن الإداري الداخلية أو صدر من جهة إدارية لا تخضع لسلطة رئاسية.

خامساً: دعاوى مراجعة القرارات النهائية الصادرة من لجان إدارية ذات اختصاص قضائي (البند ٥):

يمتد اختصاص القضاء الإداري ليشمل مراجعة القرارات النهائية الصادرة من اللجان الإدارية التي تتمتع باختصاص قضائي، مثل لجان فض المنازعات أو لجان التقييم. ويستثني هذا البند صراحة القرارات الصادرة من اللجنة المنصوص عليها في المادة (١٥) من قانون تنظيم الجنسية العمانية، مما يشير إلى رغبة المشرع في إبقاء هذه القرارات خارج نطاق الرقابة القضائية الإدارية لاعتبارات تتعلق بالسيادة.

سادساً: دعاوى التعويض عن القرارات المطعون فيها (البند ٦):

يمنح هذا البند محكمة القضاء الإداري اختصاصًا بنظر دعاوى التعويض عن الأضرار الناجمة عن القرارات الإدارية المنصوص عليها في البنود السابقة، سواء رفعت دعوى التعويض بصفة أصلية ومستقلة، أو بصفة تبعية للدعوى الأصلية المتعلقة بمراجعة القرار. هذا الاختصاص يكمل دور المحكمة في حماية الحقوق المتضررة من القرارات الإدارية غير المشروعة.

سابعاً: الدعاوى المتعلقة بالعقود الإدارية (البند ٧):

يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الإدارة العامة بصفتها سلطة عامة، والتي تتضمن شروطًا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، أو تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة. هذا الاختصاص يعكس الطبيعة الخاصة لهذه العقود وحاجة أطرافها إلى الاحتكام إلى قضاء متخصص في المنازعات الإدارية.

ثامناً: المسائل الأخرى التي تنص القوانين على اختصاص المحكمة بها (البند ٨):

يفتح هذا البند الباب لاختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر مسائل أخرى قد ينص عليها قوانين خاصة لاحقة. هذا البند يتميز بالمرونة ويتيح للمشرع توسيع اختصاص المحكمة في المستقبل إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.

المادة (٧): قيود على الاختصاص النوعي

تضع المادة (٧) قيدًا هامًا على الاختصاص النوعي لمحكمة القضاء الإداري، حيث تنص صراحة على عدم اختصاص المحكمة بالنظر في “الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة أو بالمراسيم أو الأوامر السلطانية”.

أولاً: أعمال السيادة:

يقصد بأعمال السيادة تلك الأعمال التي تصدر من رأس الدولة أو الحكومة باعتبارها سلطة عليا، وتتعلق بالشؤون العليا للدولة، مثل إعلان الحرب، وعقد المعاهدات الدولية، والعفو العام. هذه الأعمال تتمتع بحصانة قضائية نظرًا لطبيعتها السياسية العليا وارتباطها بوجود الدولة وسلامتها.

ثانياً: المراسيم والأوامر السلطانية:

تستثني المادة (٧) كذلك المراسيم والأوامر السلطانية من ولاية القضاء الإداري. هذه الاستثناء يعكس الاحترام الواجب للمقام السامي وحرص المشرع على عدم إخضاع التشريعات الصادرة من السلطان للرقابة القضائية العادية. ومع ذلك، فإن هذا الاستثناء لا يمنع من الطعن في القرارات الإدارية الصادرة تنفيذًا لهذه المراسيم والأوامر إذا كانت مخالفة للقانون.

المادة (٨): أسس الطعن في القرارات الإدارية

تحدد المادة (٨) أسس الطعن التي يمكن الاستناد إليها في الطعن في القرارات الإدارية المنصوص عليها في البنود (٢) و (٣) و (٤) و (٥) من المادة (٦). هذه الأسس تمثل أوجه المخالفة القانونية التي تجعل القرار الإداري قابلاً للإلغاء من قبل محكمة القضاء الإداري.

أولاً: عدم الاختصاص:

يعتبر القرار الإداري باطلاً إذا صدر من جهة إدارية غير مختصة بإصداره قانونًا، سواء كان عدم الاختصاص متعلقًا بالولاية أو الموضوع أو الزمان أو المكان.

ثانياً: عيب في الشكل:

يشمل العيب في الشكل مخالفة الإجراءات الشكلية التي يتطلبها القانون أو اللوائح لإصدار القرار الإداري، مثل عدم اتباع إجراءات التشاور أو الإعلان أو التسبيب.

ثالثاً: مخالفة القوانين أو اللوائح:

يعتبر القرار الإداري غير مشروع إذا كان مخالفًا لنص قانوني أو لائحة نافذة، سواء كان ذلك بالمخالفة الصريحة أو بالتفسير الخاطئ للنص.

رابعاً: الخطأ في تطبيقها أو تأويلها:

يشمل هذا الأساس حالة قيام الإدارة بتطبيق القانون أو اللائحة على وقائع غير صحيحة، أو بتأويل النص القانوني أو اللائحي تأويلاً خاطئًا.

خامساً: إساءة استعمال السلطة:

تتحقق إساءة استعمال السلطة عندما تصدر الإدارة قرارًا إداريًا لتحقيق غاية غير تلك التي من أجلها منحت السلطة قانونًا، أو لتحقيق مصلحة شخصية أو فئوية على حساب المصلحة العامة.

القرارات الإدارية الضمنية:

تضيف المادة (٨) فقرة هامة تعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقًا للقوانين واللوائح. هذا النص يتيح للأفراد المتضررين من السلبية الإدارية اللجوء إلى القضاء الإداري لإجبار الإدارة على القيام بواجباتها القانونية.

المادة (٩): شروط قبول الدعوى الإدارية

تضع المادة (٩) شروطًا إجرائية هامة لقبول الدعاوى المتعلقة بالخصومات الإدارية أمام محكمة القضاء الإداري. هذه الشروط تهدف إلى تنظيم حق التقاضي وتجنب إغراق المحكمة بدعاوى غير مستوفية للشروط القانونية.

أولاً: عدم قبول الدعاوى الناشئة قبل العمل بالقانون:

تنص المادة على عدم قبول الدعاوى المتعلقة بالخصومات الإدارية التي نشأت قبل تاريخ العمل بهذا القانون، مما يعكس مبدأ عدم رجعية القوانين.

ثانياً: شرط المصلحة الشخصية المباشرة:

لا تقبل الدعاوى المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقانونية في القرار المطعون فيه. هذا الشرط يهدف إلى منع الدعاوى الشعبية أو الدعاوى التي يقيمها أشخاص لا يمسهم القرار بشكل مباشر.

ثالثاً: شرط التظلم الإداري المسبق (في بعض الحالات):

بالنسبة للدعاوى المنصوص عليها في البنود (٢) و (٣) و (٤) من المادة (٦)، تشترط المادة (٩) عدم قبول الدعوى إذا قدمت رأسا إلى المحكمة قبل التظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الجهة الرئاسية وانتظار مواعيد البت في التظلم. هذا الشرط يهدف إلى منح الإدارة فرصة لمراجعة قرارها وتصحيحه وديًا قبل اللجوء إلى القضاء، وتخفيف العبء على المحكمة.

إجراءات التظلم ومواعيده:

تحدد المادة (٩) إجراءات ومواعيد التظلم الإداري. يجب تقديم التظلم خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إخطار صاحب الشأن بالقرار أو علمه به علمًا يقينيًا. ويتعين على الجهة الإدارية البت في التظلم خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تقديمه. ويعتبر مضي هذه المدة دون رد من الإدارة بمثابة رفض للتظلم.

ميعاد رفع الدعوى بعد التظلم:

يجب رفع الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إخطار المتظلم بنتيجة البت في تظلمه، أو من تاريخ انقضاء الثلاثين يومًا المقررة للبت في التظلم دون رد من الإدارة.

ميعاد رفع الدعوى في حالات أخرى:

في الحالات المنصوص عليها في البند (٥) من المادة (٦) (مراجعة قرارات اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي)، ترفع الدعوى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ علم صاحب الشأن بالقرار علمًا يقينيًا أو من تاريخ إخطاره به، بحسب الأحوال.

استثناء من شرط التظلم المسبق:

تجدر الإشارة إلى أن شرط التظلم الإداري المسبق لا يسري على الدعاوى المنصوص عليها في البنود (١) و (٦) و (٧) من المادة (٦) (الدعاوى الخاصة بالمستحقات المالية، ودعاوى التعويض الأصلية، والدعاوى المتعلقة بالعقود الإدارية). يجوز رفع هذه الدعاوى مباشرة إلى المحكمة بعد طلب المستحقات المدعى بها من الجهة المختصة.

الخلاصة:

تشكل المواد (٦) و (٧) و (٨) و (٩) من قانون محكمة القضاء الإداري في سلطنة عمان حجر الزاوية في تحديد اختصاص المحكمة وتنظيم إجراءات التقاضي أمامها. فالمادة (٦) ترسم بدقة حدود الاختصاص النوعي للمحكمة، بينما تضع المادة (٧) قيودًا هامة على هذا الاختصاص. وتحدد المادة (٨) الأسس القانونية التي يمكن الاستناد إليها في الطعن في القرارات الإدارية، في حين تضع المادة (٩) شروطًا إجرائية هامة لقبول الدعوى. إن فهم هذه المواد وتحليلها بشكل معمق أمر بالغ الأهمية للمحامين والقانونيين والأفراد المتضررين من القرارات والإجراءات الإدارية، لضمان ممارسة حق التقاضي بشكل صحيح وفعال أمام محكمة القضاء الإداري، الحارس الأمين على سيادة القانون في المجال الإداري في سلطنة عمان.

https://law-yuosif.com/دعوى-التعويض-في-القانون-العماني/

https://law-yuosif.com/شرح-المنافسة-غير-المشروعة-في-القانون-ا/

https://law-yuosif.com/أسباب-سقوط-الحضانة-في-سلطنة-عمان/

قانون محكمة القضاء الاداري (معدل)https://qanoon.om/p/1999/l1999091/

جريدة عمان مقال عن اهمية القضاء الاداري/https://bit.ly/3GGtjG0