
بقلم المحامي والمحكم/يوسف الخضوري
مقدمة:
يُعد قانون العمل العماني الإطار القانوني الذي ينظم علاقات العمل بين أصحاب الأعمال والعمال في سلطنة عمان، ويهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح الطرفين وتوفير بيئة عمل عادلة ومنتجة. يكتسب هذا القانون أهمية قصوى في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي تشهدها البلاد، ودوره الحيوي في حفظ حقوق العاملين وضمان استقرار سوق العمل. يستهل قانون العمل العماني أحكامه بالفصل الثاني تحت عنوان “أحكام عامة”، والذي يشتمل على مجموعة من المبادئ الأساسية والقواعد العامة التي تسري على جميع علاقات العمل الخاضعة لأحكامه. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل قانوني معمق لأحكام هذا الفصل، مع التركيز على المواد التي تم ذكرها في السؤال، وتسليط الضوء على دلالاتها وأبعادها القانونية وتأثيرها على بيئة العمل في سلطنة عمان، مع الإشارة إلى المواد القانونية الأخرى ذات الصلة لتقديم صورة شاملة.
المادة (٢): نطاق سريان القانون واستثناءاته وتنظيم فئات العمل الخاصة
تحدد المادة (٢) النطاق الشخصي لسريان قانون العمل العماني، حيث تنص في فقرتها الأولى على أن “تسري أحكام هذا القانون على جميع أصحاب الأعمال والعمال، ولا يسري على من تنظم عملهم قوانين أو نظم خاصة“. هذه الفقرة تقرر مبدأ شمولية تطبيق قانون العمل على كافة علاقات العمل في القطاع الخاص، سواء كان صاحب العمل فردًا أو شركة أو أي كيان قانوني آخر، وسواء كان العامل عمانيًا أو وافدًا. ومع ذلك، تستثني الفقرة ذاتها فئات من العمال الذين تنظم شؤون عملهم قوانين أو نظم خاصة، مثل العاملين في الجهاز الإداري للدولة الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، والعاملين في القوات المسلحة وقوات الأمن الأخرى الخاضعين لقوانين وأنظمة خاصة بهم. هذا الاستثناء يعكس طبيعة عمل هذه الفئات وضرورة خضوعها لأنظمة تتناسب مع مهامها ومسؤولياتها الخاصة.
في فقرتها الثانية، تمنح المادة (٢) صلاحية واسعة لوزير العمل لإصدار قرارات لتنظيم عمل فئات ذات طبيعة عمل خاصة. وقد حددت المادة على سبيل المثال لا الحصر بعض الجوانب التي يمكن أن يتضمنها هذا التنظيم بقرار وزاري، ومنها:
- أ – قواعد وشروط العمل: يسمح هذا البند بتحديد قواعد وشروط عمل تتناسب مع طبيعة عمل فئات معينة، مثل العاملين في قطاع النفط والغاز، أو العاملين في قطاع السياحة، حيث قد تختلف ظروف العمل وساعات العمل والإجازات عن القطاعات الأخرى.
- ب – الجزاءات المترتبة على المخالفين: يتيح هذا البند تحديد جزاءات تأديبية تتناسب مع المخالفات التي قد يرتكبها العاملون في هذه الفئات الخاصة، مع مراعاة طبيعة العمل وأهميته.
- ت – الإعفاء من الرسوم القضائية في جميع الدعاوى الناشئة عن المنازعات العمالية التي يرفعها العاملون أو المستحقون عنهم: هذا البند يمثل ضمانة هامة لحماية حقوق العمال، حيث يكفل لهم الحق في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم دون تحمل أعباء الرسوم القضائية، مما يعزز مبدأ المساواة أمام القانون ويسهل وصول العمال إلى العدالة. وتتكامل هذه الحماية مع ما نصت عليه المادة (١٠٦) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية التي تعفي العامل من الرسوم القضائية في الدعاوى العمالية.
- ث – تنظيم عمل مأموري صفة الضبطية القضائية: يسمح هذا البند بتنظيم عمل الموظفين الذين يتم تخويلهم صفة الضبطية القضائية لتطبيق أحكام قانون العمل والقرارات الوزارية الصادرة تنفيذًا له، مما يعزز فعالية الرقابة على تطبيق القانون. وقد صدر في هذا الشأن القرار الوزاري رقم (201/2013) بشأن تخويل صفة الضبطية القضائية لبعض الموظفين بوزارة القوى العاملة (سابقًا وزارة العمل).
- ج – شروط وقواعد ورسوم ترخيص العمل وترخيص مزاولة العمل وتجديده وتسجيل البيانات وتجديدها، وذلك بعد موافقة وزارة المالية ومجلس الوزراء: يتيح هذا البند تنظيم إجراءات وتكاليف إصدار وتجديد تراخيص عمل الشركات والمؤسسات العاملة في السلطنة، وكذلك تراخيص مزاولة العمل للعمال الوافدين، وتسجيل وتحديث بياناتهم، وذلك بالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية. وقد صدرت العديد من القرارات الوزارية المنظمة لهذه الإجراءات والرسوم، مثل القرار الوزاري رقم (222/2014) بشأن رسوم تراخيص استقدام واستخدام القوى العاملة غير العمانية وتراخيص العمل وتجديدها.
- ح – الضمانات اللازم توافرها في صاحب العمل سواء كانت مالية أو عينية أو أي مبالغ أخرى ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بالعلاقة القانونية بين صاحب العمل والعامل: يسمح هذا البند بفرض ضمانات على أصحاب الأعمال لحماية حقوق العمال، مثل تقديم ضمانات مالية لضمان دفع الأجور والمستحقات الأخرى، أو توفير ضمانات عينية مثل التأمين على العمال. وقد صدر في هذا الشأن القرار الوزاري رقم (22/2018) بشأن تحديد الضمانات المالية والنقدية أو المصرفية التي يتعين على أصحاب العمل تقديمها عند استقدام قوى عاملة غير عمانية للعمل في منشآتهم.
المادة (٣): الحد الأدنى للحقوق وعدم جواز تخفيض شروط العمل السابقة
تكرس المادة (٣) مبدأ هامًا في قانون العمل العماني وهو حماية حقوق العمال القائمة قبل سريان القانون. تنص المادة على أنه “يتعين على كل صاحب عمل أن يوفر للعامل الحد الأدنى للحقوق المقررة للعامل بموجب أحكام هذا القانون، ولا يجوز إجراء أي تخفيض في المستويات والشروط التي تم تشغيل العامل بموجبها قبل سريان هذا القانون إذا بقي العامل في خدمة صاحب العمل بعد نفاذ القانون“.
تفرض الفقرة الأولى من المادة التزامًا على صاحب العمل بتوفير الحد الأدنى من الحقوق التي يقررها قانون العمل للعامل، وتشمل هذه الحقوق الأجور والإجازات وساعات العمل والسلامة والصحة المهنية وإنهاء الخدمة والمكافآت وغيرها. أما الفقرة الثانية فتحظر على صاحب العمل إجراء أي تخفيض في المستويات والشروط التي كان يتمتع بها العامل قبل سريان قانون العمل الحالي، إذا استمر العامل في خدمته بعد نفاذ القانون. هذا يعني أن القانون يحمي الحقوق المكتسبة للعمال ويمنع أصحاب الأعمال من الانتقاص منها بحجة تطبيق القانون الجديد، طالما أن الشروط القديمة كانت أفضل للعامل. ويتكامل هذا المبدأ مع ما نصت عليه المادة (٤) من عدم جواز الاتفاق على شروط عمل تقل عن الحد الأدنى المقرر في القانون.
المادة (٤): بطلان الاتفاقات المخالفة للقانون وحماية الشروط الأفضل
تؤكد المادة (٤) على الطبيعة الآمرة لقانون العمل وحماية حقوق العمال. تنص المادة على أنه “يقع باطلا كل شرط أو اتفاق يخالف أحكام هذا القانون، ولو كان سابقا على العمل به إلا إذا كان أكثر فائدة للعامل كما يقع باطلا كل إبراء أو مصالحة أو تنازل عن الحقوق الناشئة عن هذا القانون إذا كان مخالفا لأحكامه، ويستمر العمل بأي شروط أفضل تكون مقررة للعامل بموجب القوانين واللوائح والقرارات المعمول بها في تاريخ العمل بهذا القانون“.
تقرر الفقرة الأولى بطلان أي شرط أو اتفاق في عقد العمل أو أي اتفاق لاحق له يخالف أحكام قانون العمل، حتى لو كان هذا الاتفاق قد تم قبل سريان القانون الحالي. والاستثناء الوحيد لهذا البطلان هو إذا كان الشرط أو الاتفاق المخالف أكثر فائدة للعامل، حيث يعطي القانون الأولوية لحماية مصلحة العامل. كما تقرر الفقرة ذاتها بطلان أي إبراء أو مصالحة أو تنازل من العامل عن حقوقه الناشئة عن قانون العمل إذا كان هذا الإبراء أو المصالحة أو التنازل مخالفًا لأحكام القانون. هذا النص يهدف إلى منع أصحاب الأعمال من الضغط على العمال للتنازل عن حقوقهم المقررة قانونًا.
أما الفقرة الثانية فتؤكد على استمرار العمل بأي شروط أفضل مقررة للعامل بموجب قوانين أو لوائح أو قرارات أخرى كانت سارية المفعول قبل العمل بقانون العمل الحالي. هذا يعني أن القانون لا يمس بالحقوق والمزايا التي كان يتمتع بها العمال بموجب أنظمة أخرى إذا كانت أفضل من الحقوق المقررة في قانون العمل الحالي، مما يعزز مبدأ عدم الرجعية في تطبيق القوانين وحماية الحقوق المكتسبة.
المادة (٥): حظر العمل الجبري أو القسري
تكرس المادة (٥) مبدأ أساسيًا من مبادئ حقوق الإنسان وحقوق العمل، وهو حظر العمل الجبري أو القسري. تنص المادة بشكل قاطع على أنه “يحظر على صاحب العمل فرض أي شكل من أشكال العمل الجبري أو القسري على العامل“. يتفق هذا النص مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحظر العمل الجبري والقسري التي صادقت عليها سلطنة عمان. ويشمل مفهوم العمل الجبري أو القسري أي عمل أو خدمة يتم إكراه شخص على أدائها تحت التهديد بأي عقوبة، ولم يعرض هذا الشخص نفسه لأدائها طواعية. هذا الحظر يضمن حرية العامل في اختيار العمل وشروط أدائه، ويحمي كرامته الإنسانية. وتجدر الإشارة إلى أن قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (126/2008) يجرم أشكالًا مختلفة من الاستغلال التي قد تنطوي على العمل الجبري أو القسري.
المادة (٦): حظر احتجاز جواز سفر العامل أو وثائقه الخاصة
تحمي المادة (٦) حرية العامل الشخصية وحقه في الاحتفاظ بوثائقه الثبوتية. تنص المادة على أنه “لا يجوز لصاحب العمل أن يحتفظ بجواز سفر العامل أو وثائقه الخاصة، إلا بموافقة كتابية من العامل“. يهدف هذا النص إلى منع أصحاب الأعمال من استغلال حاجة العمال الوافدين واحتجاز جوازات سفرهم للسيطرة عليهم وتقييد حركتهم أو إجبارهم على العمل بشروط غير متفق عليها. والاستثناء الوحيد لهذا الحظر هو وجود موافقة كتابية صريحة من العامل على احتفاظ صاحب العمل بجواز سفره أو وثائقه الخاصة. وحتى في هذه الحالة، يجب أن تكون الموافقة صادرة عن إرادة حرة ومستنيرة من العامل، وأن لا تكون ناتجة عن أي ضغط أو إكراه. ويترتب على مخالفة هذا النص مسؤولية قانونية على صاحب العمل.
المادة (٧): إلزامية استخدام اللغة العربية في لوائح وتعليمات العمل
تنظم المادة (٧) الجانب اللغوي في بيئة العمل. تنص الفقرة الأولى على أن “اللغة العربية هي اللغة الواجبة الاستعمال في اللوائح والقرارات والتعاميم التي يصدرها صاحب العمل لعماله”. تهدف هذه الفقرة إلى ضمان فهم جميع العاملين، وخاصة العمانيين، للوائح والقواعد والتعليمات التي تنظم عملهم وحقوقهم وواجباتهم. أما الفقرة الثانية فتجيز لصاحب العمل استخدام لغة أجنبية إلى جانب اللغة العربية في الحالات المذكورة، ولكنها تقرر أن “النص العربي هو المعتمد دون غيره” في حالة وجود أي اختلاف أو تعارض بين النص العربي والنص الأجنبي. هذا يضمن حجية النص العربي ومرجعيته في تفسير وتطبيق لوائح وتعليمات العمل.
خاتمة:
يمثل الفصل الثاني من قانون العمل العماني “أحكام عامة” الأساس الذي تقوم عليه علاقات العمل في السلطنة. من خلال المواد التي تم تحليلها، يتضح حرص المشرع العماني على إرساء مبادئ العدالة والمساواة وحماية حقوق العمال، مع مراعاة طبيعة العمل الخاصة لبعض الفئات. إن تحديد نطاق سريان القانون، وتأكيد عدم جواز الانتقاص من الحقوق المكتسبة، وإبطال الاتفاقات المخالفة للقانون، وحظر العمل الجبري واحتجاز الوثائق، وإلزامية استخدام اللغة العربية، كلها تدابير تهدف إلى خلق بيئة عمل مستقرة ومنصفة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة في سلطنة عمان. إن فهم هذه الأحكام وتطبيقها بدقة من قبل أصحاب الأعمال والعمال والجهات المختصة يمثل ضرورة قصوى لضمان احترام القانون وتحقيق أهدافه النبيلة.
رابط البلاغ الكيدي والحق في المطالبة بالتعويضhttps://law-yuosif.com/بلاغ-كيدى-في-القانون-العماني/
دعوى التعويض في القانون العماني/https://law-yuosif.com/دعوى-التعويض-في-القانون-العماني/
دعوى اتعويض عن الضرر في القانون العماني/https://law-yuosif.com/التعويض-عن-الأضرار-في-القانون-العماني/
قانون العمل العماني /https://mjla.gov.om/laws/ar/1/show/199
حماية الاجور /https://bit.ly/3RNmLHN