المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

بقلم المحامي والمحكم / يوسف الخضوري

المنافسة غير المشروعة في قانون التجارة العماني

مقدمة

يمثل القانون التجاري في سلطنة عمان ركيزة أساسية لتنظيم النشاط الاقتصادي وضمان بيئة تجارية عادلة وشفافة. وفي هذا الإطار، يكتسب الفصل الثاني من القانون والخاص بـ “المنافسة غير المشروعة” أهمية بالغة في حماية حقوق التجار والمستهلكين على حد سواء، ومنع الممارسات التي قد تؤدي إلى تشويه السوق والإضرار بالمنافسة الشريفة. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل معمق لأحكام هذا الفصل، مع الإشارة إلى المواد القانونية ذات الصلة وتوضيح نطاقها وتأثيرها على البيئة التجارية في السلطنة.

مفهوم المنافسة المشروعة وأهميتها:

قبل الخوض في تفاصيل المنافسة غير المشروعة، من الضروري التأكيد على أهمية المنافسة المشروعة في أي اقتصاد حر. فالمنافسة تدفع الشركات إلى تقديم منتجات وخدمات أفضل بأسعار تنافسية، مما يعود بالنفع على المستهلكين ويحفز الابتكار والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، قد يلجأ بعض التجار إلى ممارسات غير أخلاقية وغير قانونية للحصول على ميزة غير عادلة على منافسيهم، وهو ما يستدعي تدخل القانون لحماية النظام التجاري.

الفصل الثاني: حظر أشكال محددة من المنافسة غير المشروعة:

يتضمن الفصل الثاني من قانون التجارة المعدل مجموعة من المواد التي تحظر على وجه التحديد بعض الممارسات التي تعتبر منافسة غير مشروعة، وتمنح المتضررين الحق في المطالبة بمنع هذه الممارسات والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.

المادة (٤٧): حماية الاسم التجاري:

تتناول هذه المادة حماية الاسم التجاري، الذي يعتبر عنصراً أساسياً من عناصر الملكية التجارية ووسيلة لتمييز منشأة عن أخرى في السوق. وتحظر المادة صراحة حالتين:

  1. استعمال الاسم التجاري غير صاحبه: يمثل هذا تعدياً واضحاً على حقوق صاحب الاسم التجاري، حيث يؤدي إلى تضليل العملاء وإيهامهم بوجود صلة بين المنشأتين. ويجوز لصاحب الحق في هذه الحالة أن يطلب منع هذا الاستعمال، بل وطلب شطب القيد من السجل التجاري إذا كان الاسم معتمداً.
  2. استعمال صاحبه للاسم على صورة تخالف القانون: قد يحدث أن يقوم صاحب الاسم التجاري باستخدامه بطريقة تخالف القوانين واللوائح المنظمة للأسماء التجارية، كاستخدامه بطريقة مضللة أو مخالفة للنظام العام والآداب. وفي هذه الحالة أيضاً، يجوز لذوي الشأن (ويمكن أن يشمل ذلك جهات الرقابة) طلب منع هذا الاستعمال أو شطبه.

بالإضافة إلى ذلك، تمنح المادة للمتضرر الحق في الرجوع بالتعويض إذا لحقه ضرر نتيجة لهذا الاستعمال غير المشروع. ويثبت هذا الحق أهمية حماية الملكية التجارية وتعويض أصحابها عن أي خسائر ناتجة عن التعدي عليها.

المادة (٤٨): حظر التدليس والغش ونشر البيانات الكاذبة:

تركز هذه المادة على منع الممارسات التجارية التي تنطوي على خداع وتضليل للمستهلكين أو إلحاق الضرر بالمنافسين. وتحظر المادة على التاجر القيام بما يلي:

  1. اللجوء إلى طريق التدليس والغش في تصريف بضاعته: يشمل ذلك عرض البضائع بطريقة زائفة أو إخفاء عيوبها أو تقديم معلومات غير صحيحة عنها بهدف ترويجها.
  2. نشر بيانات كاذبة من شأنها أن تضر بمصلحة تاجر آخر يزاحمه: يحظر على التاجر نشر معلومات غير صحيحة أو مضللة عن منتجات أو خدمات منافسه أو عن سمعته التجارية بهدف التأثير على عملائه وتحويلهم إليه.

وتقرر المادة مسؤولية التاجر عن التعويض في حال ارتكابه لهذه الأفعال، مما يؤكد على ضرورة الالتزام بالممارسات التجارية الشريفة وتجنب الإضرار بالمنافسين من خلال التضليل.

المادة (٤٩): حظر نشر أمور مغايرة للحقيقة تتعلق بالبضاعة أو التجارة:

توسع هذه المادة نطاق الحظر ليشمل جوانب أخرى تتعلق بالمنتجات والخدمات المقدمة والمركز التجاري للتاجر نفسه. وتحظر على التاجر القيام بما يلي:

  1. نشر أمور مغايرة للحقيقة تتعلق بمنشأ بضاعته أو أوصافها: يحظر الادعاء بأن البضاعة من منشأ معين أو أنها تتمتع بمواصفات غير حقيقية بهدف جذب العملاء.
  2. نشر أمور مغايرة للحقيقة تتعلق بأهمية تجارته: يحظر المبالغة في حجم أو أهمية التجارة أو تقديم معلومات غير صحيحة عن مركزها المالي أو قدراتها.
  3. الإعلان خلافا للواقع بأنه حائز لمرتبة أو شهادة أو مكافأة: يحظر الادعاء كذباً بالحصول على جوائز أو شهادات أو مراتب تجارية بهدف تضليل العملاء وكسب ثقتهم بطريقة غير مشروعة.
  4. اللجوء إلى أية طريقة أخرى تنطوي على التضليل، قاصداً بذلك أن ينتزع عملاء تاجر آخر يزاحمه: تعتبر هذه الفقرة شاملة وتغطي أي وسيلة أخرى يستخدمها التاجر لخداع العملاء أو التأثير عليهم بشكل غير مشروع بهدف تحويلهم من منافس آخر.

وتؤكد المادة مجدداً على مسؤولية التاجر عن التعويض في حال ارتكابه لهذه الأفعال، مما يعكس حرص القانون على حماية المستهلكين والمنافسين من أساليب الترويج والتسويق المضللة.

المادة (٥٠): حظر إغراء عمال ومستخدمي المنافس:

تتناول هذه المادة شكلاً آخر من أشكال المنافسة غير المشروعة يتعلق باستقطاب الكفاءات والمعلومات من المنافسين بطرق غير أخلاقية. وتحظر على التاجر القيام بما يلي:

  1. إغراء عمال تاجر آخر أو مستخدميه ليعاونوه على انتزاع عملاء هذا التاجر: يشمل ذلك تقديم حوافز أو وعود للعاملين لدى المنافس بهدف مساعدته في جذب عملاء منافسه بشكل غير مشروع.
  2. إغراء عمال تاجر آخر أو مستخدميه ليخرجوا من خدمة هذا التاجر ويدخلوا في خدمته ويطلعوه على أسرار منافسه: يحظر استقطاب العاملين لدى المنافس بهدف الحصول على معلومات سرية أو أسرار تجارية قد تمنح التاجر ميزة غير عادلة في المنافسة.

وتعتبر المادة هذه الأعمال منافسة غير مشروعة تستوجب التعويض، مما يؤكد على أهمية احترام العلاقات التجارية القائمة وحماية الأسرار التجارية للشركات.

المادة (٥١): مسؤولية مزودي المعلومات التجارية الكاذبة:

تتطرق هذه المادة إلى مسؤولية الأطراف الثالثة التي تقدم معلومات تجارية عن التجار. وتنص على مسؤولية من كانت حرفته تزويد البيوت التجارية بالمعلومات عن أحوال التجار إذا أعطى لقاء أجر بيانات مغايرة للحقيقة عن سلوك أحد التجار أو وضعه المالي، وكان ذلك قصداً أو عن تقصير جسيم.

تهدف هذه المادة إلى ضمان دقة وموثوقية المعلومات التجارية المتداولة في السوق، وتحميل المسؤولية على الجهات التي تقدم معلومات مضللة قد تلحق الضرر بالتجار الآخرين. ويشترط لتحقق المسؤولية أن يكون تقديم البيانات الكاذبة عن قصد أو نتيجة إهمال جسيم.

الآثار القانونية للمنافسة غير المشروعة:

يترتب على ارتكاب أفعال المنافسة غير المشروعة المنصوص عليها في الفصل الثاني من قانون التجارة المعدل آثار قانونية متعددة، أهمها:

  1. الحق في طلب منع الفعل غير المشروع: يجوز للمتضرر من فعل المنافسة غير المشروعة أن يتقدم إلى القضاء بطلب إصدار أمر بمنع التاجر المخالف من الاستمرار في ممارسته غير المشروعة.
  2. الحق في المطالبة بالتعويض: يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة فعل المنافسة غير المشروعة، سواء كانت أضراراً مادية (كفقدان الأرباح أو تدهور قيمة العلامة التجارية) أو أضراراً معنوية (كالإساءة إلى السمعة التجارية).
  3. إمكانية الشطب من السجل التجاري (في حالة مخالفة المادة ٤٧): في حالة استعمال الاسم التجاري على صورة تخالف القانون، يجوز للمتضرر طلب شطب قيد الاسم من السجل التجاري.
  4. المسؤولية الجنائية المحتملة: في بعض الحالات التي تنطوي على غش أو تزوير أو تضليل جسيم، قد يرقى فعل المنافسة غير المشروعة إلى مستوى الجريمة ويستوجب العقوبات المنصوص عليها في قانون الجزاء أو القوانين الأخرى ذات الصلة.

خاتمة:

يمثل الفصل الثاني من قانون التجارة المعدل في سلطنة عمان إطاراً قانونياً هاماً لمكافحة المنافسة غير المشروعة وحماية البيئة التجارية من الممارسات الضارة. من خلال حظر أشكال محددة من السلوكيات غير الأخلاقية وغير القانونية، وتوفير آليات قانونية للمتضررين لطلب منع هذه الممارسات والتعويض عن الأضرار، يساهم هذا الفصل في تعزيز المنافسة الشريفة وضمان سلامة المعاملات التجارية وحماية حقوق التجار والمستهلكين على حد سواء. إن الالتزام بأحكام هذا الفصل يعد مسؤولية مشتركة تقع على عاتق جميع المشاركين في النشاط التجاري في سلطنة عمان، بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع ككل.

قانون التجارة العماني / https://qanoon.om/p/1990/l1990055/

https://bit.ly/3EKgV7e

روابط مقالاتي/

https://law-yuosif.com/عناصر-المتجر-في-القانون-التجاري-العما/

https://law-yuosif.com/من-يحق-له-ممارسة-التجارة-في-عمان/