المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

بقلم المحامي والمحكم / يوسف الخضوري

دور الادعاء العام في سلطنة عمان حماية الحقوق وسيادة القانون

مقدمة

يُعد الادعاء العام في سلطنة عمان ركيزة أساسية من ركائز النظام القضائي، فهو الحارس الأمين على تطبيق القانون والمدافع عن حقوق المجتمع وحرياته. تتجلى أهمية هذا الجهاز الحيوي في قيامه بدور محوري في مكافحة الجريمة وتحقيق العدالة، وذلك من خلال الاختصاصات الواسعة التي منحها إياه القانون. يستمد الادعاء العام قوته وسلطته من النصوص القانونية الواضحة التي تحدد مهامه ومسؤولياته، وتجعله شريكًا فاعلًا في إرساء دعائم دولة القانون.

الأساس القانوني لاختصاصات الادعاء العام:

لقد أولى المشرع العماني اهتمامًا بالغًا بتحديد دور الادعاء العام واختصاصاته، حيث نصت العديد من المواد القانونية على هذا الدور المحوري. ففي المادة (86) وفقآ للنظام الاساسي الصادر(2021/6)، تم التأكيد بشكل واضح على المهام الأساسية التي يضطلع بها الادعاء العام، حيث نصت على أنه: “يتولى الادعاء العام الدعوى العمومية باسم المجتمع، ويشرف على شؤون الضبط القضائي، ويسهر على تطبيق القوانين والاختصاصات، وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام، وغير ذلك من الاختصاصات التي يقررها القانون“.

يتضح من هذا النص الشامل أن الادعاء العام يمثل صوت المجتمع في مواجهة الجريمة، ويتولى مسؤولية تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم. كما أنه يمتلك سلطة الإشراف والتوجيه على مأموري الضبط القضائي، مما يضمن قيامهم بواجباتهم وفقًا للقانون. بالإضافة إلى ذلك، يضطلع الادعاء العام بدور هام في السهر على تطبيق القوانين وضمان تنفيذ الأحكام القضائية، وهو ما يعكس حرص الدولة على إنفاذ القانون وتحقيق الردع العام.

وفي سياق تحديد اختصاصات الادعاء العام في رفع الدعوى العمومية ومباشرتها أمام المحاكم، نصت المادة (4) من قانون الإجراءات الجزائية العماني على أنه: “يختص الادعاء العام برفع الدعوى العمومية، ومباشرتها أمام المحكمة“. يؤكد هذا النص بشكل قاطع على أن الادعاء العام هو الجهة الوحيدة المخولة قانونًا بتحريك الدعوى الجزائية باسم المجتمع، ومتابعتها في جميع مراحل التقاضي أمام المحاكم المختصة. هذا الاختصاص الحصري يضمن وحدة الإجراءات وتكاملها، ويحول دون تضارب الاختصاصات أو تشتيت الجهود في مكافحة الجريمة.

الإشراف على مأموري الضبط القضائي ودوره في كشف الحقيقة:

لا يقتصر دور الادعاء العام على تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، بل يمتد ليشمل الإشراف على مأموري الضبط القضائي في أدائهم لمهامهم المتعلقة بالاستدلال وجمع الأدلة. وقد أكدت على هذا الدور المادة (1) من قانون الادعاء العام العماني، والتي نصت على أنه: “يتولى الادعاء العام الدعوى العمومية… ويشرف الادعاء العام على مأموري الضبط القضائي فيما يتعلق بأعمال الاستدلال على المعاينات بهدف البحث عن مرتكب الوقائع التي تصل إليه، وبصفة عامة كشف الحقيقة في الجريمة الواقعة“.

يتضح من هذا النص أن الإشراف على مأموري الضبط القضائي يهدف إلى ضمان قيامهم بأعمال الاستدلال بشكل قانوني وسليم، وبما يخدم مصلحة العدالة في كشف الحقيقة والوصول إلى مرتكبي الجرائم. هذا الإشراف يشمل توجيههم وتقديم التعليمات اللازمة لهم، ومراقبة أدائهم للتأكد من التزامهم بالقانون والإجراءات المقررة.

وقد تعزز هذا الدور الرقابي للادعاء العام بموجب المادة (32) من قانون الإجراءات الجزائية، التي نصت على أنه: “يكون مأمورو الضبط القضائي خاضعًا لإشراف الادعاء العام فيما يتعلق بأعمالهم، وللمدعي العام أن يطلب من الجهة المختصة النظر في كل ما يقع من مخالفات أو تقصير في عملهم أو يطلب رفع الدعوى التأديبية، وذلك دون الإخلال برفع الدعوى العمومية“.

تمنح هذه المادة المدعي العام سلطة مساءلة مأموري الضبط القضائي في حال ارتكابهم مخالفات أو تقصير في أداء واجباتهم، وذلك من خلال مطالبة الجهة المختصة بالتحقيق في هذه المخالفات واتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة. كما تؤكد المادة على حق الادعاء العام في رفع الدعوى العمومية ضد أي من مأموري الضبط القضائي إذا ارتكب فعلًا يشكل جريمة، وهو ما يعكس حرص المشرع على ضمان نزاهة عمل مأموري الضبط القضائي والتزامهم بالقانون.

الدور الحيوي والفعال للادعاء العام في سلطنة عمان:

إن الدور الذي يضطلع به الادعاء العام في سلطنة عمان يتجاوز مجرد تحريك الدعوى العمومية والإشراف على الضبط القضائي، ليشمل جوانب أخرى حيوية تساهم في تحقيق العدالة وحماية المجتمع. ويمكن تلخيص هذا الدور الحيوي والفعال في النقاط التالية:

  1. حماية المجتمع: يعتبر الادعاء العام خط الدفاع الأول عن حقوق المجتمع ومصالحه، حيث يتصدى للجريمة بأنواعها ويسعى إلى محاسبة مرتكبيها. من خلال تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، يضمن الادعاء العام عدم إفلات المجرمين من العقاب، وهو ما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع.
  2. تطبيق القانون وسيادة الدولة: يضطلع الادعاء العام بدور أساسي في ضمان تطبيق القانون على الجميع دون تمييز، والسهر على احترام المؤسسات والأفراد للقواعد القانونية. من خلال متابعة تنفيذ الأحكام القضائية، يؤكد الادعاء العام على سيادة القانون وهيبة الدولة.
  3. ضمان سلامة الإجراءات الجزائية: يحرص الادعاء العام على سلامة الإجراءات الجزائية في جميع مراحلها، بدءًا من جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي وصولًا إلى المحاكمة وتنفيذ الحكم. هذا الدور يضمن احترام حقوق المتهمين وضحايا الجريمة على حد سواء، ويحول دون وقوع أي تجاوزات أو مخالفات قانونية.
  4. مكافحة الفساد وحماية المال العام: يلعب الادعاء العام دورًا هامًا في مكافحة جرائم الفساد المالي والإداري، وحماية المال العام من الاختلاس والاستيلاء وسائر صور الاعتداء عليه. من خلال التحقيق في هذه الجرائم وتقديم المتورطين فيها إلى العدالة، يساهم الادعاء العام في تعزيز النزاهة والشفافية في المجتمع.
  5. حماية الحقوق والحريات الفردية: على الرغم من أن الدور الأساسي للادعاء العام هو ملاحقة المجرمين، إلا أنه يضطلع أيضًا بدور في حماية الحقوق والحريات الفردية. فهو يراقب أعمال مأموري الضبط القضائي ويحاسبهم على أي تجاوزات قد تمس بحقوق الأفراد. كما أنه يمثل المجتمع في الدعوى العمومية، ويسعى إلى تحقيق العدالة التي لا تقتصر على معاقبة المجرم بل تشمل أيضًا إنصاف الضحايا.
  6. تطوير التشريعات الجزائية: من خلال ممارسته لعمله اليومي، يكتسب أعضاء الادعاء العام خبرة عملية تمكنهم من تحديد الثغرات في التشريعات الجزائية واقتراح التعديلات اللازمة لسد هذه الثغرات وتطوير المنظومة القانونية بما يواكب المستجدات ويحقق فعالية أكبر في مكافحة الجريمة.

أهمية الادعاء العام في تحقيق العدالة:

لا يمكن تصور نظام قضائي فعال وعادل بدون وجود جهاز ادعاء عام قوي ومستقل. فالادعاء العام يمثل حجر الزاوية في منظومة العدالة الجزائية، ويساهم بشكل كبير في تحقيق أهدافها المتمثلة في:

  • كشف الجرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة: من خلال قيامه بالتحقيق الابتدائي وجمع الأدلة، يتمكن الادعاء العام من تحديد هوية مرتكبي الجرائم وتقديمهم للمحاكم المختصة لمحاكمتهم وتوقيع العقوبات المستحقة عليهم.
  • ضمان تطبيق القانون بشكل عادل ومتساوٍ: يحرص الادعاء العام على تطبيق القانون على جميع المتهمين بغض النظر عن مراكزهم أو نفوذهم، وهو ما يعزز مبدأ المساواة أمام القانون ويحقق العدالة.
  • حماية حقوق الضحايا: يسعى الادعاء العام إلى ضمان حصول ضحايا الجرائم على حقوقهم القانونية، بما في ذلك الحق في التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.
  • تحقيق الردع العام والخاص: من خلال ملاحقة المجرمين وتوقيع العقوبات عليهم، يساهم الادعاء العام في تحقيق الردع العام الذي يمنع الآخرين من ارتكاب الجرائم المماثلة، والردع الخاص الذي يمنع الجاني نفسه من العودة إلى ارتكاب الجريمة.
  • تعزيز ثقة الجمهور في النظام القضائي: عندما يرى الجمهور أن هناك جهازًا قويًا ومستقلًا يسعى إلى تطبيق القانون ومحاسبة المجرمين، فإن ذلك يعزز ثقتهم في النظام القضائي ويشجعهم على التعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية.

خلاصة:

يُعد الادعاء العام في سلطنة عمان مؤسسة قضائية حيوية تضطلع بدور محوري ومتعدد الأوجه في حماية الحقوق وتعزيز سيادة القانون. إن الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة الرشيدة في دعم وتطوير هذه المؤسسة وتعزيز استقلاليتها وتزويدها بالكوادر المؤهلة والتقنيات الحديثة تؤكد على الأهمية القصوى التي توليها لتحقيق العدالة الناجزة وترسيخ أسس دولة القانون.

في المستقبل، من المتوقع أن يستمر دور الادعاء العام في التطور والتوسع لمواجهة التحديات القانونية المستجدة، وتعزيز استخدام التقنيات الحديثة في إجراءات التحقيق والملاحقة القضائية، وتعميق التعاون القضائي الدولي، والمساهمة الفعالة في بناء مجتمع آمن ومستقر يسوده العدل والقانون. إن تعزيز قدرات الادعاء العام ودعم استقلاليته يمثل استثمارًا حقيقيًا في مستقبل العدالة وسيادة القانون في سلطنة عمان.

بقلم المحامي والمحكم/يوسف الخضوري

المصادر:

قانون الاجراءات الجزائيةhttps://qanoon.om/p/1999/rd1999097/

النظام الاساسي للدولة/https://qanoon.om/p/2021/rd2021006/

قانون الادعاء العام/https://qanoon.om/p/1999/l1999092/

روابط لمقالاتي

تقديم شكوى في الادعاء ال العام/https://law-yuosif.com/تقديم-شكوى-الادعاء-العام-في-سلطنة-عمان/

التظلم من قرار حفظ الشكوى في الادعاء العام https://law-yuosif.com/مسودة-تلقائيةدليلك-للتظلم-من-قرار-الح/

كيف تقديم شكوى في حماية المستهلك/https://law-yuosif.com/حقوق-المستهلك-في-عمان-الدليل-القانوني/