المحامي يوسف الخضوري | استشارات قانونية

بقلم المحامي والمحكم / يوسف الخضوري

"شرح قانوني لدعوى التعويض عن الأفعال الضارة في القانون العماني،

مقدمة:

تُعد المسؤولية المدنية من الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني في أي مجتمع، فهي الآلية التي يتم من خلالها جبر الأضرار التي تلحق بالأفراد نتيجة أفعال الآخرين. وفي سلطنة عمان، أولى المشرع اهتمامًا بالغًا بتنظيم أحكام المسؤولية المدنية، حيث أفرد لها الفصل الثالث من قانون المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (29/2013)، تحت عنوان “الفعل الضار”. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل معمق لأحكام هذا الفصل، مع التركيز بشكل خاص على المواد التي تم ذكرها في السؤال، وتسليط الضوء على المبادئ القانونية التي ترسخها والتطبيقات العملية لها في النظام القضائي العماني.

الفرع الأول: أحكام عامة في المسؤولية عن الفعل الضار

يستهل الفصل الثالث بتحديد الإطار العام للمسؤولية عن الفعل الضار من خلال الفرع الأول الذي يتضمن أحكامًا عامة تعتبر بمثابة المبادئ الأساسية التي تحكم هذا النوع من المسؤولية.

المادة (١٧٦): أساس المسؤولية ونطاقها

تعتبر المادة (١٧٦) حجر الزاوية في نظام المسؤولية المدنية العماني، حيث تقرر في الفقرة الأولى منها مبدأً عامًا مؤداه أن “كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بالتعويض“. هذا النص يرسخ مبدأ المسؤولية التقصيرية، والذي يقوم على أساس إحداث الضرر للغير بغض النظر عن وجود رابطة عقدية بينهما. والأكثر أهمية هو تأكيد النص على مسؤولية الفاعل حتى لو كان غير مميز، أي فاقدًا للتمييز كالصغير غير المميز أو المجنون. هذه القاعدة تهدف إلى حماية المضرور وعدم تركه دون تعويض لمجرد أن محدث الضرر لا يتمتع بالإدراك القانوني الكامل، على أن يتم الرجوع على الولي أو الوصي في حالة عدم وجود مال خاص للمضر.

أما الفقرة الثانية من المادة (١٧٦) فتقيم تمييزًا هامًا بين الإضرار بالمباشرة والإضرار بالتسبب. فإذا كان الإضرار “بالمباشرة”، أي أن الفعل الضار وقع مباشرة من الفاعل على المضرور أو على الشيء محل الضرر، فإن التعويض يكون لازمًا “وإن لم يتعد”. هذا يعني أن مجرد وقوع الضرر نتيجة فعل مباشر يكفي لقيام المسؤولية، ولا يشترط إثبات وجود خطأ أو إهمال من جانب الفاعل. أما إذا كان الإضرار “بالتسبب”، أي أن فعل الفاعل لم يكن هو السبب المباشر في وقوع الضرر، بل كان سببًا غير مباشر أو مهيئًا لوقوعه، فإن المسؤولية لا تقوم إلا إذا تحقق شرط “التعدي“. والتعدي هنا يشمل الخطأ والإهمال والتقصير وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الضرر. هذا التمييز يعكس حرص المشرع على عدم تحميل الأفراد مسؤولية أفعالهم بشكل مطلق، بل يراعي طبيعة الفعل ودوره في إحداث الضرر.

المادة (١٧٧): الدفوع بالإعفاء من المسؤولية

تأتي المادة (١٧٧) لتحديد الحالات التي يمكن فيها للشخص المسؤول عن الضرر أن يدفع مسؤوليته ويُعفى من التعويض. تنص المادة على أنه “إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة أو فعل الغير أو فعل المضرور كان غير ملزم بالتعويض ما لم يقض القانون أو الاتفاق بغير ذلك“. هذه المادة تكرس مبدأ السبب الأجنبي كقوة قاهرة تعفي المسؤول من التزامه بالتعويض.

تعدد المادة أمثلة للأسباب الأجنبية التي يمكن أن تؤدي إلى الإعفاء من المسؤولية، وتشمل:

  • آفة سماوية: كالزلازل والفيضانات والعواصف غير المتوقعة.
  • حادث فجائي: وهو حدث غير متوقع وغير ممكن دفعه.
  • قوة قاهرة: وهي حدث عام وخارجي وغير متوقع وغير ممكن دفعه.
  • فعل الغير: إذا كان فعل شخص آخر هو السبب المباشر والوحيد في وقوع الضرر.
  • فعل المضرور: إذا كان خطأ المضرور نفسه هو السبب الوحيد أو المساهم في وقوع الضرر، وفي الحالة الأخيرة قد يتم تخفيف التعويض لا الإعفاء منه كليًا.

ومع ذلك، تستثني المادة حالتين من هذا الإعفاء: الحالة التي يقضي فيها القانون بخلاف ذلك (كما في بعض حالات المسؤولية الموضوعية)، والحالة التي يوجد فيها اتفاق بين الأطراف على خلاف ذلك.

المادة (١٧٨): الدفاع الشرعي والإعفاء من المسؤولية

تتناول المادة (١٧٨) حالة خاصة من حالات الإعفاء من المسؤولية، وهي حالة الدفاع الشرعي. تنص المادة على أنه “من أحدث ضررا بالمعتدي أو بماله وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس الغير أو عرضه أو ماله كان غير مسؤول عن ذلك الضرر على ألا يجاوز قدر الضرورة وإلا أصبح ملزما بالتعويض بقدر ما جاوزه“.

تُجيز هذه المادة للشخص الحق في الدفاع عن نفسه أو عن غيره أو عن ماله أو مال غيره ضد أي اعتداء غير مشروع، وفي سبيل ذلك يجوز له إلحاق الضرر بالمعتدي دون أن يكون مسؤولًا عن هذا الضرر. ومع ذلك، يشترط القانون في هذه الحالة شرطًا أساسيًا وهو “ألا يجاوز قدر الضرورة“. فإذا تجاوز فعل الدفاع القدر اللازم لرد الاعتداء، أصبح المدافع مسؤولًا عن الضرر الذي أحدثه بما يجاوز هذا القدر. هذه المادة تجسد مبدأ قانوني راسخ يوازن بين حق الفرد في حماية نفسه وممتلكاته وحماية المجتمع من الفوضى والعنف.

المادة (١٧٩): مسؤولية الفاعل والأمر

تعالج المادة (١٧٩) مسألة تحديد المسؤول عن الفعل الضار في حالة صدور أمر بارتكابه. تقرر الفقرة الأولى من المادة مبدأً هامًا وهو أن “يضاف الفعل إلى الفاعل لا الآمر، ما لم يكن الفاعل مجبرا، على أن الإجبار المعتبر في التصرفات الفعلية هو الإكراه الملجئ وحده“. هذا يعني أن الأصل هو مسؤولية الشخص الذي ارتكب الفعل الضار بنفسه، ولا يسأل الآمر عن فعل المأمور إلا في حالة واحدة محددة وهي حالة الإجبار الملجئ. والإكراه الملجئ هو الإكراه الذي يعدم الإرادة والاختيار لدى المكره، بحيث يصبح الفاعل مجرد أداة في يد الآمر. أما إذا كان الإكراه غير ملجئ (أي أنه يؤثر في الإرادة ولكنه لا يعدمها تمامًا)، فإن المسؤولية تبقى على الفاعل وحده.

أما الفقرة الثانية من المادة (١٧٩) فتتناول حالة خاصة تتعلق بالموظف العام. تنص الفقرة على أنه “لا يكون الموظف العام مسؤولا عن عمله الذي أضر بالغير إذا قام به تنفيذا لأمر صدر إليه من رئيسه متى كانت طاعة هذا الأمر واجبة عليه، أو كان يعتقد أنها واجبة وأقام الدليل على اعتقاده بمشروعية العمل الذي وقع منه وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة وأنه راعى في عمله جانب الحيطة والحذر، وفي هذه الحالة تقضي المحكمة بالتعويض على من تقرر مسؤوليته عن الضرر“. هذه الفقرة تضع شروطًا محددة لإعفاء الموظف العام من المسؤولية عن الأضرار التي يحدثها أثناء قيامه بواجباته الوظيفية تنفيذًا لأوامر رؤسائه. وتشمل هذه الشروط وجوب طاعة الأمر أو الاعتقاد بوجوبه بناءً على أسباب معقولة مع مراعاة جانب الحيطة والحذر. وفي حالة تحقق هذه الشروط، تنتقل المسؤولية إلى الجهة الإدارية التي أصدرت الأمر. تهدف هذه القاعدة إلى حماية الموظف العام من المسؤولية الشخصية عن الأفعال التي يقوم بها تنفيذًا لواجباته، مع ضمان عدم إفلات الجهة الإدارية من المسؤولية عن الأضرار التي تحدث نتيجة لأوامرها غير المشروعة.

المادة (١٨٠): تعدد المسؤولين عن الفعل الضار

تعالج المادة (١٨٠) حالة تعدد المسؤولين عن فعل ضار واحد. تقرر المادة أنه “إذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار كان كل منهم مسؤولا بنسبة نصيبه فيه دون تضامن بينهم ما لم تقدر المحكمة خلاف ذلك“. الأصل في حالة تعدد المسؤولين هو مسؤولية كل منهم بنسبة مساهمته في إحداث الضرر، ولا يوجد تضامن بينهم في تحمل التعويض. ومع ذلك، تمنح المادة المحكمة سلطة تقديرية للحكم بالتضامن بين المسؤولين إذا رأت مقتضى لذلك، كما لو كان الضرر لا يقبل التجزئة أو كانت مساهمة كل مسؤول غير قابلة للتحديد بدقة. هذا النص يراعي مبدأ العدالة ويمنح القاضي المرونة اللازمة لتقدير المسؤولية في الحالات المعقدة.

المادة (١٨١): نطاق التعويض

تحدد المادة (١٨١) نطاق التعويض المستحق للمضرور عن الفعل الضار. تنص المادة على أنه “يقدر التعويض في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار“. هذه المادة تقرر أن التعويض يشمل عنصرين أساسيين:

  • الضرر المادي: وهو الخسارة التي لحقت بالمضرور في ماله أو جسمه أو أي حق من حقوقه.
  • الكسب الفائت: وهو المنفعة التي حرم منها المضرور نتيجة للفعل الضار وكان من المتوقع تحقيقها لولا وقوع هذا الفعل.

ويشترط القانون في كلا العنصرين أن يكونا “نتيجة طبيعية للفعل الضار“، أي أن يكون الضرر والكسب الفائت ناتجين بشكل مباشر عن الفعل الضار وبحسب المجرى العادي للأمور. هذا الشرط يستبعد التعويض عن الأضرار البعيدة أو غير المتوقعة.

المادة (١٨٢): طريقة تقدير التعويض

تختتم المواد التي تم ذكرها في السؤال بتناول المادة (١٨٢) التي تحدد طريقة تقدير التعويض. تقرر المادة أنه “يقدر التعويض بالنقد على أنه يجوز للمحكمة تبعا للظروف وبناء على طلب المضرور أن تأمر بإعادة الحال إلى ما كان عليه أو أن تحكم بأداء أمر معين متصل بالفعل الضار على سبيل التعويض“. الأصل في تقدير التعويض هو أن يكون مبلغًا نقديًا يدفع للمضرور لجبر الضرر الذي لحق به. ومع ذلك، تمنح المادة المحكمة سلطة تقديرية، بناءً على ظروف كل حالة وبناءً على طلب المضرور، أن تحكم بطرق أخرى للتعويض، مثل إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل الضار (كإصلاح شيء تالف) أو الحكم بأداء أمر معين متصل بالفعل الضار (كتقديم اعتذار علني). هذه المرونة في طرق التعويض تهدف إلى تحقيق العدالة الكاملة للمضرور وتلبية احتياجاته بشكل أفضل.

خاتمة:

يمثل الفصل الثالث من قانون المعاملات المدنية العماني إطارًا قانونيًا متكاملًا ينظم أحكام المسؤولية عن الفعل الضار. المواد التي تم تحليلها في هذا المقال، من المادة (١٧٦) إلى المادة (١٨٢)، ترسي مبادئ أساسية في هذا المجال، بدءًا من تحديد أساس المسؤولية ونطاقها، مرورًا بتحديد الدفوع بالإعفاء منها وحالات المسؤولية الخاصة، وصولًا إلى تحديد نطاق التعويض وطرق تقديره. إن فهم هذه الأحكام وتطبيقها بشكل سليم من قبل القضاء والممارسين القانونيين يساهم في تحقيق العدالة وجبر الأضرار التي تلحق بالأفراد في المجتمع العماني. يبقى التأكيد على أن التطبيق العملي لهذه المواد يتطلب فهمًا دقيقًا للوقائع والظروف المحيطة بكل قضية، واستنادًا إلى التفسيرات القضائية المستقرة لهذه النصوص.

التعويض عن الضرر في القانون العمانيhttps://law-yuosif.com/التعويض-عن-الأضرار-في-القانون-العماني/

نموذج استمارة تقديم شكوى في حماية المستهلك/https://law-yuosif.com/تحميل-نموذج-شكوى-حماية-المستهلك-عمان/

المطالبة بالتعويض عن البلاغ الكيدي/https://law-yuosif.com/بلاغ-كيدى-في-القانون-العماني/

قانون المعاملات المدنية/https://qanoon.om/p/2013/rd2013029/