التعويض عن الضرار في القانون العماني: دراسة تحليلية لقانون المعاملات المدنية

التعويض وفق قانون المعاملات المدنية العماني

مقدمة:

يعتبر نظام التعويض في القانون المدني من الركائز الأساسية التي يقوم عليها تحقيق العدالة وتسوية المنازعات بين الأفراد والمؤسسات. وفي سلطنة عمان، يولي قانون المعاملات المدنية اهتمامًا بالغًا لمسألة التعويض عن الأضرار الناجمة عن الأفعال غير المشروعة أو الإخلال بالالتزامات التعاقدية. يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة تحليلية معمقة لأحكام التعويض في القانون المدني العماني، مع التركيز على الأسس القانونية، وأنواع التعويض، وشروط استحقاقه، بالإضافة إلى استعراض المواد القانونية ذات الصلة من قانون المعاملات المدنية العماني. كما سيسعى المقال إلى إبراز أهمية التعويض في حماية الحقوق والمصالح المشروعة للأفراد والمجتمع.

أولاً: الإطار القانوني للتعويض في القانون المدني العماني

يستمد نظام التعويض في القانون المدني العماني جذوره من مبادئ العدالة والإنصاف، وقد تم تفصيله وتنظيمه في قانون المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (29/2013) وتعديلاته. يشتمل هذا القانون على مجموعة من النصوص القانونية التي تحدد أسس المسؤولية المدنية الموجبة للتعويض، وشروط استحقاق هذا التعويض، وأنواعه المختلفة.

المادة (176) من قانون المعاملات المدنية العماني: تنص هذه المادة على القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية، حيث تقرر بأن “كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم فاعله بالتعويض”. هذه المادة تؤسس لمبدأ المسؤولية عن الفعل الضار، وتعتبر حجر الزاوية في نظام التعويض عن الأضرار غير التعاقدية.

المادة (339) من قانون المعاملات المدنية العماني: تتناول هذه المادة المسؤولية العقدية، حيث تنص على أنه “إذا استحال على المدين تنفيذ التزامه عيناً، حكم عليه بالتعويض ما لم يثبت أن الاستحالة نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه”. هذه المادة تحدد أساس التعويض في حالة الإخلال بالالتزامات التعاقديةhttps://qanoon.om/p/2013/rd2013029/.

ثانياً: أركان المسؤولية المدنية الموجبة للتعويض

لكي يستحق المتضرر التعويض عن الضرر اللاحق به، يجب توافر ثلاثة أركان أساسية للمسؤولية المدنية، وهي:

  1. الخطأ: وهو الانحراف عن السلوك المعتاد للشخص الحريص، سواء كان ذلك بإيجاب (فعل) أو سلب (امتناع عن فعل كان واجباً). يشمل الخطأ الإهمال والرعونة وعدم الاحتراز. و يعرف الخطأ بأنه “إهمال أو تقصير في سلوك الشخص المعتاد، سواء كان ذلك بانحراف عن واجب الحيطة والحذر الذي تقتضيه الظروف، أو بعدم بذل العناية اللازمة التي يجب على الشخص بذلها وفقاً لطبيعة العمل أو المهنة”.
  2. الضرر: وهو الأذى الذي يصيب الشخص في حقه أو مصلحته، سواء كان ضرراً مادياً (يصيب الذمة المالية أو الجسم) أو ضرراً معنوياً (يصيب الشعور أو الكرامة أو السمعة). تشير إلى أنواع الضرر المستوجب للتعويض، حيث تنص على أن “الضرر المادي هو كل مساس بحق للمضرور أو بمصلحة مالية له. والضرر الأدبي هو كل مساس بشعور المضرور أو بكرامته أو بسمعته أو بأي حق آخر غير مالي”.
  3. علاقة السببية: وهي الرابطة الضرورية بين الخطأ والضرر، بحيث يكون الضرر نتيجة مباشرة للخطأ المرتكب. يجب على المتضرر إثبات وجود هذه العلاقة السببية حتى يستحق التعويض. حيث أن قانون المعاملات المدنية العماني: يقرر بأنه “يجب أن يكون الضرر نتيجة طبيعية للفعل الضار، فإذا تعددت الأسباب المنتجة للضرر، كان كل منها مسؤولاً بنسبة تأثيره في إحداثه”.

ثالثاً: أنواع التعويض في القانون المدني العماني

يأخذ التعويض في القانون المدني العماني صورتين رئيسيتين:

  1. التعويض العيني: وهو إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر. يعتبر التعويض العيني هو الأصل، ويتم اللجوء إليه كلما كان ذلك ممكناً ومجدياً للمتضرر. المادة (182) من قانون المعاملات المدنية العماني: تنص على أنه “إذا كان التعويض عيناً ممكناً ومجدياً، جاز للمحكمة أن تحكم به”.
  2. التعويض النقدي: وهو تقدير الضرر بمبلغ من المال يلزم به المسؤول عن الضرر. يتم اللجوء إلى التعويض النقدي في الحالات التي يستحيل فيها التعويض العيني أو يكون غير مجدٍ للمتضرر. المادة (264) من قانون المعاملات المدنية العماني: تقرر بأنه “إذا لم يكن التعويض عيناً ممكناً أو مجدياً، حكمت المحكمة بالتعويض النقدي”.https://qanoon.om/p/2013/rd2013029/

رابعاً: تقدير التعويض في القانون المدني العماني

يخضع تقدير التعويض لسلطة المحكمة التقديرية، إلا أنها ملزمة بمراعاة جملة من المعايير والظروف المحيطة بالواقعة محل النزاع. تشمل هذه المعايير طبيعة الضرر ومداه، والظروف الشخصية للمضرور والمسؤول، والأعراف الجارية.

المادة (181) من قانون المعاملات المدنية العماني: تنص على أنه “يقدر التعويض بقدر الضرر الواقع، ويشمل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، مع مراعاة الظروف الشخصية للمضرور”.https://qanoon.om/p/2013/rd2013029/

تجيز للمحكمة أن تراعي في تقدير التعويض الظروف التي أحاطت بالفعل الضار، وإذا تبين أن المضرور قد اشترك بخطئه في إحداث الضرر أو زاد فيه، جاز للمحكمة أن تخفض مقدار التعويض.

خامساً: حق المتضرر في التعويض وإجراءات المطالبة به

يثبت حق المتضرر في التعويض بمجرد توافر أركان المسؤولية المدنية. يحق للمتضرر مطالبة المسؤول عن الضرر بالتعويض أمام المحاكم المختصة وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني.

المادة (185) من قانون المعاملات المدنية العماني: تقرر بأن “تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن الفعل الضار بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ العلم بالضرر وبالشخص المسؤول عنه، وفي جميع الأحوال لا تسمع الدعوى بانقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ وقوع الفعل الضار”. هذه المادة تحدد مدة تقادم دعوى التعويض.

سادساً: تطبيقات قضائية ونماذج للتعويض في القانون المدني العماني

يمكن تصور العديد من الحالات التي يستحق فيها المتضرر التعويض بموجب القانون المدني العماني، منها:

  • حوادث السير: التعويض عن الأضرار المادية (تلف المركبة، تكاليف العلاج) والمعنوية (الألم والمعاناة) الناتجة عن الحوادث التي تقع بسبب خطأ سائق.
  • الأخطاء الطبية: التعويض عن الأضرار الصحية أو الوفاة الناتجة عن إهمال أو خطأ طبي من قبل الطبيب أو المؤسسة الصحية.
  • عيوب البيع: التعويض عن الأضرار التي تلحق بالمشتري نتيجة ظهور عيب خفي في المبيع.
  • التشهير والقذف: التعويض عن الأضرار المعنوية التي تلحق بالشخص نتيجة نشر أقوال أو صور تمس بسمعته وكرامته.
  • الإخلال بالعقود: التعويض عن الخسائر والأضرار التي تلحق بأحد أطراف العقد نتيجة إخلال الطرف الآخر بالتزاماته التعاقدية.

خاتمة:

يمثل نظام التعويض في القانون المدني العماني آلية قانونية فعالة لحماية حقوق الأفراد والمحافظة على استقرار المعاملات. من خلال النصوص القانونية الواضحة والمبادئ المستقرة، يضمن القانون للمتضرر الحق في جبر الضرر اللاحق به، سواء كان مادياً أو معنوياً. إن الفهم العميق لأحكام التعويض وأركان المسؤولية وشروط الاستحقاق وأنواع التعويض وإجراءات المطالبة به، يعد أمراً ضرورياً للممارسين القانونيين والقضاة والأفراد على حد سواء، وذلك لتحقيق العدالة وتطبيق القانون على الوجه الصحيح.

✍️ بقلم: المحامي يوسف الخضوري

مقالات مهمة حول أسباب بطلان العقود في القانون العماني /https://law-yuosif.com/اسباب-بطلان-العقود-في-سلطنة-عمان-وفق-قا/

رابط مهم حول الحماية القانونية للعلامة التجارية https://law-yuosif.com/الحماية-القانونية-للعلامة-التجارية-ف/

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *